السبت، 24 أكتوبر 2015

الرد على من أنكر صيام عاشوراء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وعلى اله وصحبه ..

اما بعد فقد تداول الكثير مقطع ذاك الرجل الذي يدعي العلم والفهم وهو اجنبي عنهما ، فزعم زورا وبهتانا ان صيام عاشوراء اكذوبة على حد زعمه ، وما علم المسكين انه قد فضح نفسه واظهر سوءته .!

وباختصار فإن محور كلامه يكمن في أربع نقاط :
١-زعمه بأن حديث عاشورا موضوع ومكذوب

٢-كيف يجهل النبي ان هذا يوم عاشوراء عندما قدم للمدينة؟!

٣-تقليدا النبي لليهود في صيام عاشوراء لما علم أنهم يصومونه فكيف يتابع اليهود ويوافقهم .!

٤-دعواه التعارض بين حديثين الحديث الأول: لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم "إن اليهود تصوم عاشوراء ، فقال لئن بقيت الى العام القابل لاصومن التاسع" فمات ولم يصمه...
الحديث الثاني "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة قيل له إن اليهود تصوم عاشوراء فصامه وأمر بصيامه"  ، وهذان الحديثان ظاهرهما التعارض والتناقض على حد زعمه ، فالحديث الاول في اخر حياته والحديث الثاني في اول قدومه للمدينة .!

٥-ان اليهود جلاهم النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة ، فكيف يقول الصحابة للنبي في اخر سنة من حياته ان اليهود يعظمون عاشوراء ؟! وهم ليسوا في المدينة.!

المناقشته :
النقطة الاولى: ((وهي ان الحديث موضوع وكذب))
الجواب: هذا الجاهل  يظن أن حديث عاشوراء هو حديث واحد في بابه وما علم أنه قد ورد فيه أحاديث كثيرة جدا لا يضاهي أحاديثه كثرة أي يوم من أيام السنة ولا يوم عرفة.! 
 بل ذكر بعض العلماء أنها متواترة كما سوف يمر معنا لاحقا..
ومع ذلك نقول: ولو كان حديث عاشوراء حديثا واحدا ، وقد صح سنده وعمل به العلماء وجب قبوله والعمل به وعدم رده بالعقل .! 
((روايات حديث عاشوراء في البخاري)).
البخاري وحده في صحيحة قد ذكرما يقارب سبعة أو ثمانية أحاديث عن الصحابة( ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وعائشة  وسلمة بن الاكوع والربيع ومعاوية ) كل واحد من هولاء الصحابة ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء والامر به .! وبعضهم تتعدد الطرق عنه ، فليس هناك مجال قط لادنى شك في صحته .! هذا في صحيح البخاري فقط فكيف بباقي كتب الحديث؟! وانا ضربت مثالا باصح كتاب من كتب الاحاديث ليدل على ما سواه ويكون غيره من باب اولى. 
فهل هناك مثال واحد لحديث يضاهي أحاديث عاشوراء كثرة وشيوعا؟!
((مقارنة أحاديث عاشوراء بغير)).
حتى احاديث عرفة لم توازي ربع احاديث عاشوراء.! فصيام عرفة في البخاري ورد بحديثين فقط ولم تتعدد طرقهما.! 
بل لا يوجد فضل يوم قط قد وردت فيه الاحاديث في البخاري كما ورد في عاشوراء حتى ليلة القدر.!
((تواتر أحاديث عاشوراء)).
احاديث عاشوراء متواترة ؟! قال ابن الجوزي "يوم عاشوراء يوم تواترت فيه الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".! (بستان الواعظين ص٢٥٧)
وقال الشيخ الالباني كما في "السلسلة الضعيفة" (٣٠٩/٨): "تواتر أنه اليوم العاشر".! 
وهذا العلامة الكتاني في كتابه "نظم المتناثر" المختص بسرد الاحاديث المتواترة وقد قيل في مدح هذا الكتاب 
هاك نظم المتناثر ... من حديث متواتر
فاق في حسن نظام ... عقد در وجواهر
ومما ذكره من الاحاديث المتواترة صوم عاشوراء".! (ص١٣٤)
فهل يـُعقل أن حديثا متواترا وبأصح الاسانيد ويكون مكذوبا.!

((مناقشة النقطة الثانية))
وهي: كيف يجهل النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا يوم عاشوراء عندما قدم للمدينة.
المناقشته:  هذا المتعالم يتعجب كيف يجهل النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء لما قدم للمدينة وكيف كان يجهل ان اليهود تصومه؟ فواضح من كلامه ومن تعجبه انه من الصوفية الغالين الذين يدعون ان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وانه يعلم ما كان وما سيكون ومالم يكن لو كان كيف يكون .! فمثله كمل الشيعة الذين يدعون ذلك في أئمتهم ، وهناك سر للتقارب بينه وبين الشيعة فالشيعة ينكرون صيام عاشوراء ويذمون اهل السنة بصيامه ويدعون علم الغيب لائمتهم ، وقد ظهر من كلام هذا الرجل ما يوافقهم ولكن لا يستطيع ان يصرح به .! ولكن اذا خلوا في حضراتهم وجلساتهم ابانوا عن ذلك ، فلا تتعجب من موافقته اياهم.! 
ولا تتعجب او تستبعد ذلك فان هولا الصوفية يتبعون مشايخهم وانظر ماذا يقول شيخهم صاحب البردة في وصف النبي" ومن علومك علم اللوح والقلم".! فاذا كان النبي من علومه علم اللوح والقلم والذي في اللوح هو كل شي فالنبي قد علم كل شي.! 
وهذا الجاهل كان اول كلامه الذي صدر به سخافاته هو تعجبه "كيف يجهل النبي ان اليهود تصوم عاشوراء".! 

وردا ع ذلك : 
فقد جاء في القران نفي علم  الرسول ببعض الحوادث مما يدل ان النبي قد يخفى عليه الشي فهو  لا يعلم الغيب ولا يعلم الا ما علمه الله .
قال تعالى " ذلك من انباء الغيب نقصه عليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا"   
فالله جل جلاله يبين ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم بعض الحوادث عن الامم السابقة..
وقال تعالى"ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم" فهولاء المنافقون هم جيران الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ومع ذلك ((لا يعلمهم ولا يعرفهم)).! 

((مناقشة النقطة الثالثة))
الرد على قوله :إن النبي صلى الله عليه وسلم قد صامه تقليدا لليهود لما علم انهم يصومونه فكيف يتابع اليهود ويوافقهم ؟!
اولا :النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء وهو في مكة قبل أن يهاجر كما في صحيح البخاري عن عائشة.! فسقط قوله من اصله أنه صام عاشورا تبعا لليهود ، وهذا شأن كل من قفز على احاديث النبي بغير علم وفهم فلابد ان يضطرب ويفتضح.! 
ثانيا: وتنزلا -بأنه لم يصم عاشوراء الا لما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه- فنقول: لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء متابعة لليهود بل صامه موافقة لموسى وانظر لهذا الحديث الذي في البخاري 
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة، وجدهم يصومون يوما، يعني عاشوراء، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال «أنا أولى بموسى منهم» فصامه وأمر بصيامه".! (صحيح البخاري ١٥٣/٤)
((سبب بعض الاشكالات في الأحاديث))
والذي اشكل على هذا الجاهل أن بعض الاحاديث تاتي مختصرة وبعضها تأتي تامة فالجاهل الذي لم يعش مع احاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يعرف منهجية العلماء في التعامل مع الاحاديث النبوية  = سوف يضرب بعضها ببعض كما حصل لهذا المتعالم .! 
فبعض الاحاديث في صيام عاشوراء أتت مختصرة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد اليهود يصومونه فصامه)) ، فيظن أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه موافقة لليهود ،  والسبب اختصار هذه الرواية ، ولكن لو اطلع على الرواية الأتم وفيها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم يصومونه فسالهم فقالوا إن موسى صامه فقال انا اولى بموسى فصامه)).! فهذه الرواية تبين أنه تابع اخيه موسى عليهما الصلاة والسلام..
وأيضا لو أخذنا بالرواية السابقة لقلنا أن النبي لم يكن يصومه ، وإننا صامه عندما قدم للمدينة ، ولكن لو ضممنا لهذ الحديث الحديث السابق عن عائشة لتبين أنه كان يصومه في مكة ... 
اذن لابد من مراعاة أمرين قبل أن يهجم الواحد على أحاديث النبي ويفسرها من رأسه ، ويضرب بعضها ببعض ، وهذان الأمران هما:
الأمر الأول: جمع روايات الحديث الواحد ليقضي اللفظ التام على اللفظ المختصر ويوضحه ويبينه
الأمر الثاني: جمع هذا الحديث مع الأحاديث الأخرى ليتبين المراد منه ويتضح تفسيره وتزول إشكالاته..

ثالثا: وتنزلا آخر ، نقول: ((لو صامه النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لليهود ، فهل في ذلك شيء أو مذمة ؟! 
الم يكن النبي يحب موافقة اهل الكتاب 
فقد جا في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، فكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه». (١٨٩/٤)
وقد كان النبي يفرح بانتصار اهل الكتاب على المشركين كما فرح بانتصار الروم على الفرس .! لان اهل الكتاب بلا شك اقرب من المشركين.
الم يكن النبي يستقبل الشام بيت المقدس وكانت اليهود يستقبلونه؟! فهل في هذا كله نقص أو عيب؟!  

((مناقشة النقطة الرابعة)).
الرد على قوله : أن الصحابة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم (إان اليهود تصوم عاشوراء فقال لئن بقيت الى العام القابل لاصومن التاسع فمات ولم يصمه وهذا واضح بأن النبي لم يكن يعلم أن اليهود تصوم عاشوراء إلا في أخر حياته..! وهذا يناقض الحديث الآخر الذي يبين ان النبي لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء )) ، فهذا تناقض على حد زعمه فالحديث الاول في اخر حياته والحديث الثاني في اول قدومه للمدينة .!


المناقشته: 
وكما مر معنا أن الحديث إذا لم تُجمع طرقه لا يتبين معناه..
الحديث الذي هو محل اشكال حديث ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه.(رواه مسلم)
اولا:النظر فيه من حيث الدراية.
((مراحل صيام عاشوراء)). 
لابد أن نعرف المراحل التي مرَّ بها صيام عاشوراء ليتضح الاشكال..
المرحلة الأولى: كانت قريش تصومه وكان النبي يصومه في مكة كما في حديث عائشة في البخاري..
المرحلة الثانية:  لما هاجر للمدينة علم أن موسى صامه فتاكد ذلك عند النبي وامر بصيامه فاصبح صيامه واجبا على القول الراجح  وكان هذا قبل فرض رمضان ..
المرحلة الثالثة: لما فرض رمضان نسخ فرض صيام عاشوراء وبقي استحباب صيامه وكان النبي ايضا كما مر معنا يحب موافقة اهل الكتاب..
 المرحلة الرابعة: أمر النبي بصيام تاسوعاء مع عاشوراء مخالفة لليهود ، كما جاء في حديث ابن عباس السابق ولعل محبة مخالفته اياهم كان في اخر حياته ، كما ذكر شيخ الاسلام أن المخالفة لم تشرع الا اذا استحكم الدين وظهر على كل شي ،  فعند ذلك قال له الصحابه إن اليهود تصوم عاشوراء وانت تحب مخالفتهم فقال مبينا لهم ومرشدا ومقررا شريعة مخالفتهم إني [ إن بقيت الى العام القابل خالفتهم بصوم التاسع مع العاشر فمات ولم يصمه].! فلا تظن أن الصحابة ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم صيام اليهود في هذا الحديث لانه كان يجهل ذلك ؟! لا . كيف يجهل ذلك وهو قد علم عند اول قدومه للمدينة انهم يصومونه كما تواترت به الاحاديث  ؟! وانما ذكروا ذلك للنبي ليعلموا هل سيخالفهم ايضا في صيام عاشوراء ؟ فكان جوابه صلى الله عليه وسلم بانه سوف يخالفهم بصيام التاسع.! 
وبهذا تبين للكل ان النبي كان يعلم ان اليهود تصومه من اول قدومه للمدينة .! وانما الذي حصل ان النبي كما مر معنا كان يحب موافقة اهل الكتاب فلما انتشر الاسلام واتت الوفود وقوي الاسلام واستحكم الامر كان من تمام ذلك مخالفة النبي لليهود فخالفهم النبي ووردت احاديث كثيرة مثل "اصبغوا فان اليهود لا يصبغون" ومثل "صلوا في النعال فانهم لايصلون فيها" ، بل قد استحكم في قلوب الصحابة محبة مخالفتهم حتى أن بعض الصحابة ((كما في صحيح مسلم )) أتوا إلى النبي يسألونه أن يجامعوا نساءهم وقت الحيض زيادة في مخالفة اليهود لأن اليهود كانوا يجانبون النساء مطلقا وقت الحيض ، وما طلبوا ذلك إلا أنهم قد سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الاحاديث الآمرة بمخالفة اليهود حتى قالوا كما في الصحيح ((ان هذا النبي لا يكاد يدع شي الا خالفنا فيه)) وهكذا وكان من ذلك صيام عاشوراء فالصحابة لما راوا من حال النبي مخالفتهم وظهر ذلك جليا كانهم ارادوا ان يستفصلوا عن صيام عاشوراء ولكن بادب فاستخدموا التعريض ، فان قال قائل ولماذا لم يصرحوا فيقولوا ( ان اليهود تصومه وتعظمه الا نخالفهم ) فالجواب ان النبي كان يكره ذلك وخاصة بعد حادثة الذين قالوا له الا نجامع النساء وهن حيض مخالفة لليهود؟ فغضب النبي غضبا شديدا. والحديث في مسلم.
فاخذ الصحابة يعرضون في مخالفة اليهود فانهم كانوا يحبون مخالفة اليهود فلذلك كان سوالهم عن عاشوراء تعريضا للمخالفة ولكن بادب ، فرضي الله عنهم وارضاهم . 
فقول الصحابة للنبي ان اليهود تصوم عاشورا وتعظمه لا يقصدون بذلك اخباره فانه يعلم انهم يصومونه من اول قدومه للمدينة وانما ارادوا بذلك المخالفة : اي فهل سنخالفهم في عاشوراء فكان الصحابة كانوا يتشوفون لمخالفتهم فذكر لهم النبي انه سوف يخالفهم. 

ثانيا: ((النظر في الحديث من حيث الرواية)).
الحديث الذي هو محل اشكال حديث ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه.(رواه مسلم)
رواه مسلم من طريق يحيى بن ايوب.
ويحيى بن ايوب متكلم فيه ، قال ابن القيم كما في الزاد(٦٨٣/٥): "جرحه احمد" ولخص الحافظ اقوال العلماء فيه فقال"صدوق ربما اخطأ".!
ولعل هذا من خطأه ، فانه لم يذكر هذا الحديث بهذا السياق الا يحيى بن ايوب فان الناس روو صيام عاشوراء عن ابن عباس وتعددت الطرق عنه في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما فلم يذكروا هذا المتن بهذا السياق المشكل الذي ذكره يحيى بن ايوب وتفرد به .! وايضا قد روى عدد كبير من الصحابة وتواتر عنهم احاديث عاشوراء ولم يذكر احد منهم هذا السياق الذي اورث الاشكال.! 
ولعل سبب الخطأ ان يحيى بن ايوب جمع بين حديثين فجعلهما حديثا واحدا ، فاورث الاشكال ، وكلا الحديثين عن ابن عباس فقد جاء عن ابن عباس حديث عن صيام عاشوراء في اول قدوم النبي للمدينة وجاء حديث اخر في اخر حياته عن صيام التاسع مع العاشر ، وكلا الحديثين منفصلين عن بعض .! فلعل يحيى بن ايوب دمجهما في حديث واحد فحصل الاشكال.

وسوف اسرد الحديثين ليتبين للقارئ ذلك:

الحديث الاول:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا: هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أولى بموسى منهم فصوموه»(رواه البخاري)
وهذا كان في اول قدومه.

الحديث الثاني:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» (رواه مسلم)
وهذا كان في اخر حياته.

فعند رواية الحديثين كل واحد على حدة فلا اشكال، ولكن اذا جُعلا حديثا واحدا حصل الاشكال.! 

((مناقشة النقطة الخامسة)).
الرد على قوله: ان اليهود جلاهم النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة فكيف يقول الصحابة للنبي في اخر سنة من حياته ان اليهود يعظمون عاشوراء .! 

اولا: ان ليس من شرط مخالفة اليهود واستحبابها أن يكونوا بين المسلمين ، لأن المخالفة دينية لا شخصية..

ثانيا: ان اليهود كانو في خيبر مكثوا فيها الى صدر من خلافة عمر ثم جلاهم عمر. وخيبر قريبة من المدينة.! 

كتبه/حسن صنيدح

الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

الرد على من ضعف حديث"صيام يوم عرفة"

[ الرد على من ضعف "صيام يوم عرفة" ].
وهذا نسخة كتاب ( pdf)

http://cutt.us/sn30Z

انسخ الرابط وضعه في سفاري
___________________________________

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين، اما بعد.
فهذه وقفات مع تضعيف بعض طلبة العلم لحديث يوم عرفة الذي اورده مسلم في صحيحه ، وتطرقي انما هو لجانب حديثي بحسب ما ذكره هو في جزئه ، واما الجوانب الأخرى كذكر الاحاديث والاثار الدالة على استحباب صيام عرفة ، وكذا جانب النقولات عن أهل العلم والمحدثين في تصحيح هذا الحديث ، وايضا نقل الاجماعات الواردة على استحباب صيامه فلم اتطرق له ، فان هناك من وفى في بعض هذه الجوانب ومنهم الشيخ عبد القادر الجنيد فجزاه الله خيرا.

وهذا نص الحديث كما ذكره مسلم في صحيحه :
قال مسلم:
وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وقتيبة بن سعيد، جميعا عن حماد، قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد، عن غيلان، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة: رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى عمر رضي الله عنه، غضبه، قال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: «لا صام ولا أفطر» - أو قال - «لم يصم ولم يفطر» قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: «ويطيق ذلك أحد؟» قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: «ذاك صوم داود عليه السلام» قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: «وددت أني طوقت ذلك» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»(١).
قال صاحب الجزء بعد أن ذكر من أخرجه: " منقطع بين عبد الله بن معبد وأبي قتادة" ، ثم ذكر قول البخاري: "ولا يعرف سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة"(٢).
ثم ذكر : "أن عبارة البخاري تلك تدل على الانقطاع".
ثم ذكر: قول الحافظ ابن حجر أن البخاري أكثر من تعليل الأحاديث بمجرد ذلك" ، أي بمجرد عدم العلم بالسماع بين الراوي وشيخه.
وهذا الكلام فيه نظر من وجهين:
الوجه الأول: أن هذه العبارة يطلقها البخاري ويقصد بها معان مختلفة:
١-فأحيانا يطلقها ويقصد بها  حقيقة الانقطاع ، وهذا  تعليل للحديث كما هو ظاهر....
ويكون ذلك حين يجزم بعدم لقائهما ....
أو يغلب على ظنه عدمه ...
وذلك بحسب القرائن قوة وضعفا ، والأمثلة كثيرة على ذلك ......
  وليس هي نقطة البحث حتى نتطرق اليها ، ويطول الكلام ويمل القارئ.
________________
صحيح مسلم (١١٦٢/٤).
التريخ الكبير (٦٨/٣).


الا اني سوف اختصر الكلام في ذلك ، فالمحدث سواء البخاري أو غيره أحيانا يطلق تلك العبارة  على هذا المعنى حين لم يدرك أحدهما الآخر ولم يعاصره ، وأحيانا حين يكون الحديث منكر ، وأحيانا حين تحصل المخالفة ، وأحيانا حين يبعد اجتماعهما لعلة ماء كتباعد البلدان أو كالصغر ، أو  كون اغلب احاديثهما وجود واسطه بينهما ، أو كون الرواية بينهما إجازة .
والبخاري رحمه الله ربما اطلق هذه العبارة في إسناد معين ولو صح سماع بعضهما من بعض ،  اذا كان فيه مخالفة او نكارة ، كما في حديث قتادة عن ابي نضرة في قراءة سورة بعد الفاتحة وكذا في حديث الانصات عند سماع القران..
٢- وأحيانا يطلقها ويقصد بها التوقف لوجود الشك في حقيقة السماع ، وهذه قد تحتمل تعليل الحديث ، وقد لا تحتمل ، كما قال: "حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، ولا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا؟، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح"(١).
فحسن الحديث ، مع حكمه بالشك في السماع بين الراوي وشيخه.
٣-وأحيانا يطلقها ويقصد الخبر المجرد ، اي انه لم يجد سماع الرواي من شيخه مصرحا به في الاسانيد ، وانما يروى عنهما بالعنعنة ، فهو رحمه الله يهتم من هذا الموضوع ، حتى لو كان الاسناد عنده مقبول وصحيح ، الا انه كونه لم يجد في الاسانيد التصريح بالسماع ، سوف يفيدنا في بعض الترجيحات ، وبعض المخالفات واشياء كثيرة تعرض للمحدث حين يقوم بقلبه حكم على حديث ، لا يعرف اهمية ذلك الا من مارس هذا الفن واختلط بدنه ولحمه كما هو حال البخاري واخوانه من المحدثين ، فهو لما يذكر لك حديث ويصححه ، او يخرجه
________________
(١) العلل (ص٥٨).


في صحيحه - كما سوف يمر معنا - وقد حكم على أحد رواته بأنه "لا يعلم سماع أحدهم من الآخر = إنما أراد أن يعطيك فائدة بانه لا يوجد تصريح بالسماع بينهما في الاسانيد..
وهذي هي نقطة بحثنا  ، فسوف نذكر بعض الأمثلة أن البخاري ربما اطلق تلك العبارة وهو يصحح الحديث أو يخرجه في صحيحه ونحو ذلك:
المثال الأول: قال الترمذي: قال محمد: قتادة لا أرى له سماعا من بشير بن نهيك , وبشير بن نهيك لا أرى له سماعا من أبي هريرة"(١). ورواية بشير بن نهيك عن أبي هريرة في صحيح البخاري.
قال البخاري:
٢٤٩٢ - حدثنا بشر بن محمد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شقيصا من مملوكه، فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال، قوم المملوك قيمة عدل، ثم استسعي غير مشقوق عليه»
وقال البخاري أيضا:
٢٦٢٦ - حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة، قال: حدثني النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرى جائزة» وقال عطاء: حدثني جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
________________
العلل (ص٢٠٧).


وقال البخاري أيضا:
٥٨٦٤ - حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «نهى عن خاتم الذهب» وقال عمرو، أخبرنا شعبة، عن قتادة: سمع النضر: سمع بشيرا، مثله

فهذه ثلاثة مواضع في صحيح البخاري لرواية بشير بن نهيك عن أبي هريرة...
وقد يُعترض على هذا ، بأن البخاري أخرجها في الشواهد ، وأيضا أن البخاري إنما يقصد بعد السماع بان روايته عنه كانت اجازة كما جاء ذلك عن الترمذي: 
 حدثنا محمود بن غيلان , قال: حدثنا وكيع , عن عمران بن حدير , عن أبي مجلز , عن بشير بن نهيك , قال: أتيت أبا هريرة بكتاب وقلت له: هذا حديث أرويه عنك؟ قال: نعم"(١)
أما كون ذلك في الشواهد ، فالجواب عنه انه بحسب الاستقراء في صحيح البخاري انه لا يوجد حديث مسند متصل منقطع سواء في الاصول او الشواهد..وما يوجد من أحاديث منقطعة كون حالها مسندة في الصحيحين فإن الانقطاع حاصل تبعا لا استقلالا ... 
وأما كون ان البخاري اراد بعدم السماع الاجازة ، فهذا أيضا لا يغير من الموضوع شي ، بل أن ذلك يدل على أن البخاري يستخدم هذه الصيغة ولا يقصد بها تعليل الحديث وتضعيفه؛ فان البخاري وغيره يصححون الاجازات ..
________________
(١) العلل (ص٢٠٧).



المثال الثاني:  جاء في العلل للترمذي:
قال محمد: ولا أعرف لأبي إسحاق سماعا من سعيد بن جبير"(١).
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي اسحاق عن سعيد بن جبير ...
قال البخاري رحمه الله:
٦٢٩٩ - حدثنا محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا عباد بن موسى، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، قال: سئل ابن عباس: مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أنا يومئذ مختون» قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك،
٦٣٠٠ - وقال ابن إدريس، عن أبيه، عن أبيإسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: «قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ختين»
فهذان اسنادان قد رواهما البخاري في صحيحه.!
وقد يُعترض على هذا بأن ذلك في الموقوف لا المرفوع...
والجواب كسابقه فان ما أسنده البخاري فهو صحيح عنده سواء كان موقوفا أو مرفوعا ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وعرفه في الأحاديث المعلقة إذا قال: قال فلان كذا، فهو من الصحيح المشروط"(٢).
________________
(١) العلل (ص٣٨٧). 
(٢) الفتاوى الكبرى (٣٨/٦).



وقال أيضا:
"كما روى البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به وهو داخل في الصحيح الذي شرطه"(١)
وإذا كان نت المعلقات المجزومة داخلة في شرطه فالمسندات من باب أولى ، فإنها مجزوم بها ، مع زيادة أنها مسندة 
 الا أنه في المرفوعات لا يأتي بمثل هذه الاسانيد تشددا وتحريا لما يُضاف الى النبي ، وهذا من الادلة التي تدل على ان شرط البخاري في صحيحه شرط كمال  ، لا شرطٌ في أصل الصحة  كما سيمر معنا من كلام ابن كثير وغيره..
المثال الثالث: قال الترمذي:
قال محمد: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا. وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح"(٢)
فهذا البخاري يحسن حديث مع أنه لا يعلم سماعا بين الراوي وشيخه.
المثال الرابع: حديث: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه" الذي رواه البخاري في صحيحه ، وروى حديثا أخر أيضا بنفس السند [ أبو عبد الرحمن السلمي عن عثمان  ].
وسماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان نفاه شعبة وابن معين وابو زرعة وقال"لم يذكر سماعا"(٣) 
________________
الاستقامة (١٨٧/٢).
(٢) العلل (ص٥٨).
(٣) المراسيل لابن أبي حاتم (ص١٠٧).


وقد يُعترض على هذا: بأن اخراج البخاري له في صحيحه دليل على أنه سمع منه ، فهو في الحقيقة مخالف لشعبة ومن معه ...
والجواب عن ذلك:
 ممكن أن يُقال أن هذا الاعتراض مبني على أن البخاري لا يكتفي بالمعاصرة التي احتفت بها القرائن من سماع بعضهما من بعض ، وهذا القول مرجوح (والله أعلم)  ، وليس هذا موضوعنا...
الا ان الجواب الذي أراه مناسبا أن البخاري لم يخالف شعبة واحمد وابا حاتم وابن معين في عدم سماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان ، وأقصد بذلك النفي أي أنه لم يوجد لابي عبد الرحمن تصريح بالسماع في الاحاديث التي رواها عن عثمان ، وهذا هو مقصد ْشعبة ومن معه وقد ألا عن ذلك أبو حاتم بقوله: "ولم يذكر سماعا".!  فالنفي المُراد إنما هو "عدم ذكر السماع" ، الا أن ذلك كما تقدم لا يدل على الانقطاع ، وانما يذكرون ذلك للاخبار بانه لا يوجد سماع بينهما مصرح به ، مع أن غلبة الظن حاكمه بسماعهما ، ولذلك أخرجه البخاري مكتفيا بالمعاصرة مع وجود قرائن ترجح وتقوي السماع حقيقة وإن لم يذكر في السند...
وهذا أولى من نصب خلاف بين البخاري وبقية الائمة ، فإن الخلاف في كثير من المسائل لا حقيقة له الا بسبب ما التزمه الانسان من منهج فركب به الصعب والذلول..
وتوضيح ذلك باختصار ، فان البخاري لم يخالف واحدا وانما خالف جماعة ، منهم من هو اعلى طبقة منه ومنهم من هو في طبقته ومنهم من هو بمثل منزلته من هذا الفن أو أجل ، والراوي المُختلف فيه ليس في طبقة البخاري حتى يمكن أن نقول له ميزة اختصاص به أو أطلعه على شي لم يُطلع غيره عليه ، أو أن البخاري اطّلع على حاله .....الخ ، لا.. لم يحصل شي من ذلك ، فالراوي هنا تابعي متقدم الطبقة جدا ، فيبعد أن يطلع البخاري على شي لم يطلع عليه أولئك  ، فالراجح ( والله أعلم) أن من نفى السماع إنما أراد السماع اللفظي ، ومن أثبته إنما اراد "السماع الحقيقي" ، وهو الاكتفاء بالمعاصرة مع وجود القرائن المرجحة للسماع...
فهذا أولى من نصب خلاف متوهم...
ولذلك قال الحافظ ابن حجر أن البخاري اعتمد في تصحيح هذا الحديث على المُعاصرة(١).
المثال الخامس: قال البخاري في رواية سليمان بن بريدة عن أبيه: "ولم يذكر سليمان سماعا من أبيه"(٢).
وقد حسن له حديث قال الترمذي: قال محمد: أصح الأحاديث عندي في المواقيت حديث جابر بن عبد الله , وحديث أبي موسى , قال: وحديث سفيان الثوري , عن علقمة بن مرثد , عن ابن بريدة , عن أبيه , في المواقيت هو حديث حسن"(٣).
المثال السادس: قال البخاري في رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه:
" عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي قاضي مرو عن أبيه  سمع سمرة ومن عمران بن الحصين"(٤).
ومن عادة البخاري أنه إذا ذكر الراوي  وجمع في سياق واحد ذكر روايته عن فلان بقوله " عن فلان .." ثم ذكر قال "وسمع فلان ...." فانه يقصد بالعنعنة أنه لم يعلم سماع فلان من فلان ولذلك صرح في الاخرين بالسماع ، ففرق بينهم ...
________________
فتح الباري، ( ٦٩٤/٨ ).
التاريخ الكبير، (٤/٤).
العلل، (ص٦٢).
التاريخ الكبير، (٥١/٥).


فإذا علمنا ذلك فإن البخاري قد أخرج لعبد الله بن بريدة عن أبيه في الصحيح محتجا به..
ونقول في هذا كما قلنا في السابق ، أن البخاري اعتمد على المعاصرة مع القرائن القوية جدا من سماع بعضهما من بعض ، فانه ابنه وعاش معه مايقارب (٣٠) سنة ورحل معه ، فيبعد أنه لم يسمع منه ان لم يستحل ذلك .! وانما مراد البخاري في ذلك كما مر سابقا ،  انه لم يوجد التصريح بالسماع في التحديث..

وقد يُعترض على هذا بأنه وُجد التصريح بالسماع في بعض الأحاديث ...
والجواب: حسب تتبعي لتلك الاحاديث فان التصريح بالسماع خطأ ، وأن الصواب في الرواية( العنعنة )... 
الوجه الثاني: أن شرط العلم بالسماع  بين الراوي وشيخه = شرط كمال لا شرط في أصل الصحة ، فالمهم هو غلبة الظن في السماع ، وغلبة الظن لا تحصل بمجرد المعاصرة فقط ، بل لابد من وجود قرائن ترجح ذلك ، وهذا هو مذهب المحدثين عموما ، ومن اشترط ثبوت السماع نظريا ، فقد خالفه واقعيا ،  وعلى رأسهم البخاري -ان سلمنا أنه اشتط ذلك نظريا- وذلك يدل على أن قواعد كل فن ، لا يتعامل معها على أنها نص قدسي لا يُزاد فيه ولا ينقص ، ولا يُحرر ، ولا يُفصل في بعض جزيئاته ...
فاالتعامل مع القواعد بالجمود له جناية على قواعد كل فن.! 
قال ابن كثير في ايضاح هذا الوجه:
" وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح"(١).
 ________________
الباعث الحثيث، (ص٤٣).

وكذا قال ذلك غير ابن كثير ، وعارضهم اخرون كالحفظ ابن حجر وابن وجب فقالوا أن البخاري يشتط ذلك في أصل الصحة وعللوا ذلك"بأن البخاري يعلل الأحاديث بذلك" 
والجواب عن ذلك:
ان الجمع الذي يحصل به الوفاق والوئام ، أن يُقال كما مر معنا سابقا أن عبارة "عدم العلم بالسماع" ليس لها حالة واحدة بل ثلاث حالات:
الحالة الأولى:  تكون تلك العبارة تضعيفا وتعليلا للحديث ، بحسب ما يقوم بقلب المحدث ؛ فإن تيقن أو غلب على ظنه حصول الانقطاع كان ذلك تعليلا للحديث ...
الحالة الثانية: أن يغلب على ظنه حصول السماع أو تيقنه ، ففي هذه الحالة تكون العبارة لمجرد الخبر بعدم وجود سماع بينهما ، ولا يُعلَّل بها الحديث...
الحالث الثالثة: تكون تلك العبارة على الشك ، وهذي الغالب فيها التعليل ...
فمن علل الاحاديث وضعفها بتلك العبارة فإنما أراد بها الحالة الأولى أو الثالثة ،  ومن اطلقها وصحح الحديث فإنما أراد الحالة الثانية ...
وهذا الجمع يحل لك الاشكالات التي ربما تجدها في أحكام المحدث الواحد ، فتجده يطلق تلك العبارة قاصدا بها تضعيف الحديث ونكارته ، واحيانا تجده يطلق نفس العبارة وهو يحتج بالحديث ، كما مر معنا من أمثلة في تعامل البخاري لتلك العبارة...
ونختم بهذا النقل عن البخاري:
قال الترمذي: 
سألت محمدا عن هذا الحديث فقلت له: أترى هذا الحديث محفوظا؟ قال: نعم. قلت له: عطاء بن يسار أدرك أبا واقد؟ فقال: ينبغي أن يكون أدركه , عطاء بن يسار قديم"(١).
فالبخاري هنا أثبت السماع بينهما لقرينة "القدم" ، مع أنه لا يعلم " السماع اللفظي " بينهما  ؛ لأنه لو علمه لذكره ، لأنه لا يقدم على "السماع اللفظي" شيئا ، فلو وجده لذكره ولما احتاج لقرينة "كونه قديم" ليثبت سماعه منه ، كما جاء في (العلل) للترمذي:
"سألت محمدا عن هذا الحديث وقلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ فقال: نعم روى مخرمة بن بكير , عن أبيه , عن محمد بن المنكدر قال: سمعت عائشة"(٢).
فالسماع اللفظي له قوته عند المحدثين.....
 الخلاصة: 
١-قول البخاري "لا اعلم سماعا بين عبد الله بن معبد وابي قتادة" في "صيام يوم عرفة" لا يدل على التضعيف ولا الانقطاع ، والذي ظهر لي أنه يقصد الحالة الثانية ، وهي الخبر المجرد..وهذا ما ذكره هو في تاريخه الأوسط:
"ورواه عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء ولم يذكر سماعا من أبي قتادة"(٣). وهذا وضَّح عبارة البخاري في تاريخه الكبير....
  ________________
العلل، (ص٢٤١).
العلل، (ص١٢٨).
التاريخ الأوسط، (٢٦٦/١).


وهذا ما جعل الذهبي يقول عن قول البخاري:
"ولا يضره ذلك"(١). يقصد أن البخاري إنما أراد الخبر فقط ، والا فالكل يهاب أحكام البخاري ولا يُتقدم بين يديه بمثل ذلك القول...
٢-البخاري قد يطلق تلك العبارة وهو يصحح الحديث ويثبت السماع ، وانما اطلقها من باب الاخبار.
٣-أن تلك العبارة لها أحوال ينبغي لطالب العلم ان يبذل جهده ليعلم مراد المحدث من تلك العبارة  وذلك بحسب كل حديث وما يحتف به.
٤-ان مما يبين مراد المحدث من تلك العبارة = حكمه على الحديث ، ونكارة الحديث ، ومخالفته للاحاديث الاخرى ، وكذا ضم عباراته بعضها إلى بعض.
٥-أن شرط البخاري في السماع لكمال الصحة لا شرط فيها.
٦-ليس الخلاف بين المحدثين سواء ، فالخلاف بين اثنين وما قارب ذلك ، ليس كخلاف واحد لجماعة ، فيحمل كلامه في مخالفة الجماعة على ما يوافقهم
٧-ان انتفاء "السماع اللفظي" لا يدل على انتفاء "السماع الحقيقي" ، فالسماع اللفظي دليل على السماع الحقيقي ، وانتفاء الدليل المعين لا يدل على انتفاء المدلول ، فهناك أدلة أخرى....
٨-قواع الحديث كقواعد أي فن آخر لا تقبل الجمود في التعامل معها ، بل لابد من معرفة تامة لتطبيق القاعدة على جزيئاتها ، والا لو كانت كل قاعدة تُطبق كما هي لا ستوى الجاهل والعالم ...
_____________
(١) ديون الضعفاء، (ص٢٢٩).


والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ....
كتبه/ حسن صنيدح 

السبت، 12 سبتمبر 2015

[ حكم قص الاظافر والشعر للمضحي ] مناقشة ،،

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين 
فهذه وقفات مع مقالة الشيخ (رحمه الله) عبد الله بن زيد ال محمود ..
وجعلت قول الشيخ بين اقواس وسطرته..

قول الشيخ: [ وقد اختلف الأئمة في هذه المسألة ، فقال أبو حنيفة : بجواز أخذ الشعر وقلم الظفر للمضحي بلا كراهة ، وذهب الإمام مالك والشافعي إلى أنه مكروه كراهة تنزيهية ، وذهب الإمام أحمد في الرواية الراجحة في مذهبه إلى أنه حرام ، اعتماداً منه على حديث أم سلمة ، فالقول بالتحريم هو من مفردات الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ التي خالف بها سائر الأئمة ، كما قال ناظمها :في عشر ذي الحجة أخذ الظفر على المضحي حرموا والشعر ].

أصاب الشيخ في نقله ، الا انه ترك بعض النقولات المهمة ، فليس احمد هو الوحيد الذي منع من ذلك ، بل هو منقول عن الصحابة كما ذكره عنهم سعيد بن المسيب باسناد صحيح ، وهو قول سعيد بن المسيب وبن سيرين واسحاق وغيرهم ، لان البعض قد يفهم من كلمة " انه من مفردات احمد " ان احمد هو الوحيد الذي منع من ذلك فوجب التنبيه.. 

قول الشيخ: [ والواقع أنَّ (حديث ام سلمة) ورد من طريق أم سلمه وحدها ، ولم يروه أحد من الصحابة غيرها ]
وهذا الاعتراض مردود ؛ فقد نقل ابن القيم الاتفاق ان تفرد الصحابي بحديث مقبول
قال ابن القيم: "ولا نعلم أحدا من أهل العلم قديما ولا حديثا قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابى واحد لم يقبل، وإنما يحكى عن أهل البدع ومن تبعهم فى ذلك أقوال، لا يعرف لها قائل من الفقهاء".

قول الشيخ: [ وقد أنكرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ على أم سلمة هذا الحديث ].
وهذا وهم من الشيخ ( والله اعلم ) فليس في كتب الحديث شي من هذا ، وانما انكرت على ابن عباس وبعض من كان يفتي ان من بعث هديه الى مكة ولم يحج فانه يحرم عليه ما يحرم على الحاج كما هو في الصحيحين
وكان ايضا بعضهم يستشكل ذلك وكانت عائشة تجيب.
مسروق: أنه أتى عائشة، فقال لها: يا أم المؤمنين، إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر، فيوصي أن تقلد بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس، قال: فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب، فقالت: لقد «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبعث هديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله، حتى يرجع الناس»البخاري.

قول الشيخ: [ أنكرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ على أم سلمة هذا الحديث مبينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق من أحرموا بالحج ، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة ].
وهذا ايضا لايوجد حسب علمي في شي من الاثار ولا كتب الحديث

قول الشيخ: [ قالت : ولقد فتلت قلائد هدى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمتنع من شيء كان مباحاً أي لا من الطيب ولا من النساء ، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره ـ قاله في المغني ].
وهذا وهم فابن قدامة استبعد ان يكون مراد عائشة الشعر والاضافر فقد قال : "فأما ما يفعله نادرا، كقص الشعر، وقلم الأظفار، مما لا يفعله في الأيام إلا مرة، فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، وإن احتمل إرادتها إياه، فهو احتمال بعيد".!

قول الشيخ: [ومن المعلوم أن السيدة عائشة هي أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرف من أم سلمة بحديثه ]
يمكن ايراد هذا الكلام عند التعارض الذي لا يمكن عنده الجمع بين النصوص
قال الحافظ: "فإن الجمع أولي من الترجيح باتفاق أهل الأصول".
وقد لخص ابن قدامة الجمع فقال : "ومقتضى النهي التحريم، وهذا يرد القياس ويبطله، وحديثهم عام(حديث عائشة)، وهذا (حديث ان سلمة) خاص يجب تقديمه، بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص؛ ولأنه يجب حمل حديثهم على غير محل النزاع لوجوه؛ منها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروها، قال الله تعالى إخبارا عن شعيب (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه)".

قول الشبخ: [ ولو كان هناك نهي للمضحي عن أخذ الشعر وقلم الظفر لما خفي عليها أبداً ].
لا نوافق الشيخ ، فقد يخفى على عائشة كما خفيها عليها غير ذلك مثل المسح على الخفين وهو امر ظاهر مشهور اشهر واظهر من مسالتنا ، حتى قال ابن عبد البر في الاستذكار (٢١٨/١) : "لا أعلم أحدا من الصحابة جاء عنه إنكار المسح على الخفين ممن لا يختلف عليه فيه إلا عائشة".
والامر الاخر ان نقول: ان ذلك لم يخف على عائشة ، لان حديث عائشة يحمل على وجه صحيح لا يتعارض مع حديث ام سلمة 
كما قال ابن القيم في البدائع(١٢٥/٤): " وفقهاء الحديث كيحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل وغيرهما عملوا بالنصين ".!

قول الشيخ: [ ولكان من لوازم هذا النهي أن يشتهر بين الصحابة ، ولم نعلم أن أحداً قال به ما عدا انفراد أم سلمة بحديثه ].
وهذا وهم من الشيخ فقد اشتهر بين الصحابة وقالوا به فقد جاء عن سعيد بن المسيب باسناد صحيح ان اصحاب محمد كانوا يقولون ذلك "ان من اشترى اضحيته فليمسك عن شعره وظفره" وعمل به سعيد بن المسيب وغيره من التابعين.! ومن طريق اخر صحيح قال سعيد بن المسيب"كذلك كانوا يفعلون" اخرجه البخاري في التاريخ ، وسعيد من كبار التابعين فهو يقصد جزما الصحابة كما بينته الرواية السابقة..
فلم تنفرد ايضا ام سلمة به كما توهم الشيخ  ..

صحيح ان الحديث قد نسي وترك من غالب الناس ؛  وذلك بسبب الجهل الا ان الحق مادل عليه الحديث ولو كان العامل به قليلا
فقد جا في مسند اسحاق (٥٦/٤) :  عن عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة الليثي قال: دخلنا الحمام في عشر الأضحى، وإذا بعضهم قد أطلا، فقال بعض أهل الحمام: إن سعيد بن المسيب يكره هذا، أو ينهى عنه، فخرجت فأتيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له، فقال: " يا ابن أخي، هذا حديث قد نسي وترك، (ثم ذكر الحديث)

واثر سعيد بن المسيب قوي الدلالة جدا ، وهو مما حدى بالطحاوي ان يترك ويخالف مذهب امامه فقد قال بعد ان ذكر اثر سعيد في المشكل(١٤٣/١٤) : "فهذا هو القول عندنا في هذا الباب، وهو خلاف ما يقوله أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه، وما يقوله مالك وأصحابه، وبالله التوفيق".! 
وهذا مما يدل على تجرد الطحاوي رحمه الله.!

قول الشيخ: [وقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ هو المعقول المطابق للحكمة ، إذ لا يمكن أن ينهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عن أخذ الشعر وقلم الظفر ويبيح ملامسة النساء والطيب ، ولو كان هذا التشبه صحيحاً لوجب الكف عن الطيب والنساء ، ولم يقل بذلك أحد ].
اذا صح الحديث  فلا مجال للعقل فيه ، والحكمة هي العمل بالسنة الثابتة..
ومع ذلك فان مشابهة المضحي للمحرم يناسب ان يشابهه في بعض احكامه لا كلها ، وقد كان ذلك في الشعر والظفر وهذا كاف لظهور المشابهة. والله اعلم

قول الشيخ: [ ان اسماء اخطأت في الحديث كما اخطأ ابن عباس في ان النبي تزوج ميمونة وهو محرم وهو في الصحيحين] بتصرف.
اما حديث ابن عباس فليس هناك اتفاق على انه اخطأ ، فقد ذهب البخاري الى تعليل الاحاديث المعارضة له كحديث ميمونة في صحيح مسلم ورجح ارساله ، وكذا اعل حديث رافع بتفرد احد رواته بوصله.!
ومن العلماء من صحح الاحاديث كلها وجمع بينها بأن حديث ابن عباس المراد به انه تزوج ميمونه وهو محرم "اي وهو في مكة" ، فانه يُقال "أحرم اذا دخل الحرم وأنجد اذا دخل نجد" وهو قول ابن حبان في صحيحه 

وعلى فرض انه خطأ فان القصة في حديث ابن عباس واحدة ، بخلاف حديث اسماء وحديث عائشة فهما حديثان منفصلان ليس بينهما قصة او حدث يرجح احدهما على الاخر.

قول الشيخ: [ والأدلة إذا تعارضت يقدم منها ما هو أقوى وأصح ].
الرد: قال الحافظ: "فإن الجمع أولي من الترجيح باتفاق أهل الأصول".

قول الشيخ: [ والحاصل أنَّ هذا الحديث عن أم سلمة قد انقلب عليها ، حيث إن أهل المدينة يحرمون بالحج عند مستهل ذي الحجة......الخ].
القلب لابد له من دليل بين واضح ، وما ذكره الشيخ انما هو فهم وراي رآه ، وادعاء القلب بدون دليل واضح يفتح بابا ، فكل من اراد ان يرد حديثا ادعى انه مقلوب..
قال الشيخ الالباني: "فالانقلاب لا بد من إثباته بالحجّة القاطعة".سلسلة الهدى والنور.

قول الشيخ: [ إذ لا إحرام إلا لمن أراد الحج أو العمرة، وليس على أحد في غيرها إحرام ، لهذا يجوز في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي أن يفعل سائر المباحات من الطيب والنساء ]. 
ان قصد الشيخ انه في غير الحج والعمرة لا يحرم شي مما يحرم على الحاج والمعتمر من الطيب او النساء او قص الشعر (وهو ظاهر كلامه)...ففيه نظر، فان المحادة على الزوج يحرم عليها الطيب والزينة مدة الحداد..
اذن فتحريم بعض المباحات (مدة من الزمن) مرده للشرع فلا يقال فيه لماذا وكيف..

واخيرا يقول الشيخ [ هذا وإن الذي جعل الناس يتورعون عن أخذ شعرهم وقلم أظفارهم ويرونه أمراًَ كبيراً في أنفسهم هو كون الخطباء يخطبون الناس في عشر ذي الحجة بالتحريم ، ولم يجدوا من يبين لهم طريق التيسير وكون الأمر سهلاً وليس عسيراً ]
هولاء الخطباء اخذوا بوصية سعيد بن المسيب لما قال (هكذا كان اصحاب محمد يقولون). 

والله اعلم 

كتبه / حسن صنيدح

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

[ الصلاة ، الصلاة ، الصلاة ]

قال شعبة:
" ما رأيت عمرو بن مرة يصلى صلاة قط فظننت أنه لا ينصرف حتى يغفر له"
( تاريخ ابن معين ٣٥٥/٣)
صلاتنا يا اخوة !! 
نعم والله ، صلاتنا ثم صلاتنا...
 فإنها والله ميزان ايمان الصالحين ، ومحك صلاح قلب السائرين....

اخي انما هي اسئلة بين وبين نفسك: 
اين كان قلبك في اخر صلاة ؟ 
والى من التفت قلبك؟ 
وهل يلتفت القلب الى أعظم من الله؟!

اخي:
متى دمعت عينك في صلاتك؟ 
قد يكون العهد بتلك الدمعة بعيد !!
ولماذا لا يحن القلب لتلك الحال؟ وهل الحياة الا هي ؟! 

اخي أنا أخاطب قلبك ووالله أني أول المقصرين ، ولكن لابد من التناصح لنصل الى رحمة الله ورضاه ...  لكي نلحق بالركب الصالح ، ركب السلف الصالح الذين بذلوا الغالي والرخيص من أجل الحقيقة..


وانظر رحمك الله ماهي الحال التي لبست شيخ شعبة حتى يظن شعبة ذلك الظن بشيخه ؟
اليس هولاء هم سلفنا ؟! فما بالنا تأخرنا؟ ورضينا بالقعود مع الخوالف!!

حتى اصبح الكل الا من رحم الله يشكو من الهموم والغموم التي امتلأ بها صدره ! وهل هذاالا بسبب البعد عن الله؟! ..
[ والله لو شاهدت هاتيك الصدور ..رأيتهــا كمراجل النـــيران ]
[ ووقودها الشهوات والحسرات ..والالآم لا تخبو مدى الأزمـــان ]

 "والشخص اذا لم يجد الخشوع ، ورقة القلب في صلاته فلا يتعب نفسه بالبحث خارج الصلاة ! فانها احلام".! 

فالخطأ كل الخطأ أن تنظر لمن حولك ويتأثر دينك وايمانك بذلك
[ لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم .. فقد ارتضوا بالذل والحرمــان ]

الثلاثاء، 21 يوليو 2015

هل تقديم صيام الست من شوال قبل قضاء رمضان يستحق فاعله الثواب المذكور في الحديث "كصيام الدهر"

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين..
فقد اطلعت على بعض المقاطع لبعض المشايخ ، يقرر فيه المشايخ الفضلاء  ترتب ثواب صيام الست من شوال قبل قضاء رمضان..

واستدلوا بادلة نوجزها فيما يلي:
١-قاعدة "النفل المضيق يقدم على الواجب الموسع" وقضا رمضان موسع. والست من شوال مضيق فتقدم على القضاء
٢-ان ستا من شوال خرج مخرج الغالب
٣-ان من افطر لعذر كان كمن صام فيصدق عليه انه صام رمضان استدلالا بحديث اذا مرض العبد او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما"
٤-حديث عائشة "تكون علي الايام من رمضان فلا استطيع اقضيها الا في شعبان" 
٥-ان القول المانع يحرم النساء وغيرها من هذا الاجر

وهنا وقفات
المسالة لا خلاف فيها.
ذكر بعض المشايخ ان المسالة مختلف فيها، والصحيح انه ليس هناك خلاف في المسالة ولا يوجد نص من اهل العلم صريح ان من صام الست قبل قضا رمضان يستحق الثواب المذكور وذلك حسب علمي واطلاعي وانما كل من تكلم على هذه المسالة يذكر انه لايستحق ذلك الثواب لان الاجر مترتب على صيام رمضان ، بل ابعد من ذلك تجد بعض العلماء يذكر انه يستحب صيام الست ولو كان قبل قضا رمضان الا انه يصرح انه لا يستحق ذلك الثواب كما ذكره بعض علماء الشافعية ، وعموما المسالة ليس فيها خلاف كما يبدو لي والله اعلم.. ومن عنده نص من اهل العلم المتقدمين فليفدنا بذلك وجزاه الله خيرا،  حتى ان ابن رجب ذكر ان العماء على قولين في جواز صيام التطوع قبل القضا فالذين لم يجوزوه فالامر فيه واضح انه لا يستحق الاجر واما الذين جوزوه قال ابن رجب وعلى قول هؤلاء فهو لا يستحق الاجر ايضا".!  وهذا النقل يشبه نقل الاتفاق . وايضا ابن رجب عرف عنه موسوعيته في نقل الخلاف فلو كان هناك خلاف لنقله ، وهذا القول الذي يقول انه لابد من صيام القضاء اولا هو قول ابن باز والالباني وابن عثيمين رحمهم الله.. والله اعلم.
وقد ذكر شيخ الإسلام منع إحداث قول جديد لم يقل به أحد.
ونحن نقول هل هناك من قال بهذا المفهوم؟ 

وقفة،،،،،
 النفل المضيق يقدم ع الواجب الموسع .!
وهذا قول لا اعلم حسب علمي القاصر ان احد تكلم بهذه القاعدة وانما يتطرقون في العادة الى جواز التطوع اذا كان الواجب موسعا قبل ادائه وقضائه ( مثال : صيام النفل المقيد كصيام عرفه وعاشوراء قبل صيام القضاء)  كما ذكره ابن رجب وهذه مسالة اخرى ، والراجح جواز التنفل قبل قضا الفرض الموسع لكن الكلام ع ترتب ثواب مخصوص في مسالة مخصوصة ، وهذا ما حصل من بعض طلبة العلم من خلط بين المسالتين فيذكر بعضهم مسألة استحقاق الصائم الست من شوال للثواب الذي في الحديث ثم يذكر خلاف العلماء في مسالة هل يجوز التطوع قبل قضا الفرض او لا .!وقد مر معنا ان هناك من العلماء من يذكر جواز ذلك اي تقديم الست على القضاء الا انه يصرح انه لا يستحق ذلك الثواب فليس استحقاق الثواب مترتب على جواز الفعل 

وقفة،،،،،
شوال خرج مخرج الغالب. 
وهذا ذكرته استطرادا لان بعضهم جعل ايقاع الست في غير شوال لغير عذر مجزء
وهذا قول بعيد لان ما خرج مخرج الغالب انما يقال فيما كان يتعامل به الناس غالبا فياتي النص مراعيا هذه الحيثية فيقال له خرج مخرج الغالب وذلك كقول النبي في الجنازة اذا احتملها الرجال ...." ، فالرجال هنا خرج مخرج الغالب لان الغالب ان الذي يحملها هم الرجال وكقوله "فليستجمر بثلاثة احجار" خرج مخرج الغالب لان الغالب انهم يستجمرون بها  او كقول لايغتسل احدكم في الماء الدائم وهو جنب ان الجنب خرج مخرج الغالب لان غالب غسل الناس للجنابة كقول بن عثيمين ، فاذا تبين ذلك فلايكون لهذه القاعدة وجود في مسالتنا لان صيام ست شوال تشريع جديد لم يسبق بغالب عمل

 تنبيه.....
نبهني احد اخواني جزاه الله خيرا
ان بعضهم يقصد بخرج مخرج الغالب ان غالب الناس يصوم رمضان كاملا فخرج اللفظ مراعيا هذا الغالب فلا يكون له مفهوما .!
وهذا بعيد ايضا ، لانه ليس غالب الناس يصومون رمضان كاملا ، فالنساء هم اكثر عدد من الرجال ومع ذلك غالبهم يكون له عذر واذا ضم لذلك من يفطر بالمرض ومن يفطر للسفر ومن يفطر لاعذار اخرى تبين ان غالب الناس لا يصومون رمضان كاملا ، 

وثانيا ان "ما خرج مخرج الغالب" بهذا المفهوم اي ان المقصود به ان غالب الناس يصومونه كاملا لا يتاتى هذا المفهوم لان قاعدة  "خرج مخرج الغالب" لو افترضنا في مثل هذا الاسلوب انما ينصرف  لرمضان نفسه لا الى عدده ، كما جاء الشارع بالامر بثلاث مسحات بالاحجار فالذين قالوا خرج مخرج الغالب انما صرفوه للحجر نفسه لا الى عدده ولذلك اشترطوا العدد ولم يشترطوا الحجر ، فحديث النبي لما يقول "من صام رمضان" اي من صام رمضان كاملا ، فلو افترضنا ان هناك غالب لتطبيق قاعدة خرج مخرج الغالب لجعلناه في "لفظ رمضان "نفسه فقلنا لفظ رمضان خرج مخرج الغالب لان غالب الناس انما يصومون شهر رمضان فمن صام شهرا غير رمضان  استحق هذا الاجر ، لا ان يجعل خرج مخرج الغالب عائد على عدد ايام الصيام ،( ولو صح حمله على بعض المفاهيم ) لحملناه على مفهوم العدد ، ( وهو مفهوم ضعيف ) كما حمل ثلاث مسحات في الاستجمار الا انه ايضا لا يتاتى هنا هذا المفهوم لان بعض الاوصاف المناسبة للتشريع تمنع بعض المفاهيم ، فست من شوال انما هي حريم بعدي لرمضان كما قال ابن رجب وما كان حريم للشي فلا يتقدم عليه والا بطلت المناسبة والحكمة من اصلها ، فمثله مثل من يصلي السنة البعدية للظهر قبل صلاة الظهر نفسها..

ما اتحد جنسه واجزاؤه،،،،،،
وبعضهم جعل "من صام رمضان" ان المقصود ( غالب رمضان ) وافطر بعضه لعذر ، كقول "من قام الليل " فيصدق عليه ذلك لو قام اغلب الليل ، وهذا بعيد ايضا وقد فرق شيخ الاسلام في الدلالات بين ما تحد جنسه واجزاؤه كالليل والنهار وبين ما لم يتحد وكان كافراد العموم كالايام فما اتحد جنسه يكفي فيه اغلبه او شي منه وما لم يتحد فيدخل ضمن العموم لابد منه كاملا..

وقفة،،،،،
القول بان من افطر لعذر فهو كمن صام رمضان 
فيصدق عليه انه صام رمضان.! استدلالا بحديث "اذا مرض العبد او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما"  وهذا لم يقل به احد حسب علمي .! ولعل ذلك سبق لسان فان لفظ السفر في الحديث المراد به كما ذكره اهل العلم النوافل والاكثر من العلماء  يخصون ذلك بالسنن الرواتب ،  واما لفظ المرض فهذا اشارة الى كل ما عجز عنه الانسان وشق عليه كمن يصلي قائما ثم مرض فصلى جالسا او كمن كان يعمل سنة مخصوصة ثم مرض فانه يكتب له ذلك، ولكن مسالتنا مختلفة تماما وهي ترخيص من الشارع بان يفطر ثم يجب عليه ان يقضيه في ايام اخر او كمن كان نائما ففاتته صلاة فهؤلاء لا يقال فيهم انهم كتب لهم اجرهم وانما عليهم في الذمة ان ياتوا بهذه الواجبات ، فما رخص فيه الشارع من ترك الواجبات ثم امر بالاتيان به فهذا لا خلاف انه لا يقال له انه كتب له اجر ذلك العمل لان الشارع اصلا قد رحمه فخفف عليه بان يترك الواجب في زمن معين ثم اوجب عليه ان ياتي به في زمن اخر.
 فلا يدخل اذن في ذلك ما رخص فيه الشارع ثم امر بقضائه في وقت اخر فهذا لاخلاف فيه انه لايدخل تحت اذا مرض العبد او سافر بل حتى مالم يامر الشارع بقضائه واسقطه رخصة فلا يكتب له اجر ذلك العمل فيكفي التخفيف الذي حصل له بذلك ولذلك لما اسقط عن النساء الحيض الصلاة وهي لا تقضى والصوم وهو يقضى ذكر انهن ناقصات عقل ودين ولو كان يكتب لها اجرها لم تكن ناقصة دين  ، ولذلك بعض المشايخ الذين  قالوا بمثل هذا القول اشترطوا لحصول الثواب ان يقضي رمضان فان لم يقضه فلا اجر له ، فوجب التنبيه .
والراجح ان ما رخص فيه الشارع واسقطه لا يكتب له اجره فيكفي التخفيف الذي حصل له بذلك 

وقفة،،،،،
حديث عائشة رضي الله عنها
انها كانت تكون علي الايام من..." وهذا مطلق والمطلق يكفي في حصوله مرة واحدة ، فلا يفهم ان صيامها مع النبي كان كذلك فاللفظ لا يدل علي ذلك ، فانه لوحصل لها ذلك مرة واحدة لكان تعبيرها  بذلك صحيحا كقولها كنت اطيب النبي لحجه وهذا لم يحصل الا مرة واحدة ومسالتنا اخف من هذه المسالة لانه ليس فيها القاعدة المعروفة وهي "كان والفعل المضارع بعدها " كما هو معروف في كتب اصول الفقه وانما تقول كان يكون علي الصوم من رمضان .." وهذا قد يكون سنة او سنتين او ثلاث او غيرها كل ذلك يصدق عليها قولها والاكيد انه يصدق في واحدة والباقي مشكوك فيه فيعمل باليقين

والامر الاخر لو فرضنا ان قولها هذا يشمل كل الرمضانات في حياة النبي وانها تقصد كل سنة لم يصح الاستدلال بذلك لان ذلك الاستدلال مشروط بان عائشة كانت تصوم الست وهذا لا نعلمه عنها!
وربما انها لم تكن تعتقد فضيلتها فبعض الصحابة كان لا يصوم عاشورا كابن مسعود وابن عمر وهذا اظهر في السنية من ست من شوال فالمقصد ان صحة ذلك الاستدلال متوقف على معرفة افضلية الست عند عائشة على اقل الاحتمالات واذا تم ذلك فان ذلك ايضا متوقف على معرفة ان عائشة كانت تصومها لان بعض الصحابة كان يعتقد افضلية الشي ولا يفعله لامور لاتخفى على طالب العلم كما جاء ابن مسعود انه كان لا يصوم لانه يضعفه عن قراءة القران وكما كان ابو طلحة لا يصوم لانه كان يجاهد فلما لم يجاهد يقول انس فكنا لا نراه الاصائما وبمثل هذه الحاجات والمصالح كانت عائشة تؤخر قضاء رمضان وكما قال الشيخ ابن باز اذا كانت عايشة توخر قضاء الفرض  للحاجة الا توخر الست من شوال من باب اولى.! 

وقفة،،،،،
القول بان هذا القول يحرم كثير من النساء  هذا الاجر المذكور في الحديث..
الحرمان يكمن في المفرط اما الذي بذل وسعه فيكتب له الاجر كاملا ولو لم يصم الست وهذا يدخل في حديث"  ان بالمدينة اقوام ماقطعتم واديا الا شاركوكم في الاجر حبسهم العذر" وكذا يدخل في حديث " اذا خرج العبد يقضي فريضة الله فوجدهم قد خرجوا من المسجد كتب له اجره كاملا"  وهذا على قول ان الست من شوال لا تقضى  اذا كان لعذر ، فان من اهل العلم من قال اذا كان تاخيرها لعذر جاز قضاوها كقول عند الشافعية وابن عثيمين فعلى كلا القولين لم تحرم النساء الاجر فاما يكتب لها اجرها كاملا او تقضيه .! 

وقفة،،،،،
فتاوى عن بعض الصحابة في تقديم القضاء على  النفل المقيد ان صح التعبير كما جا عن ابي هريرة قال له رجل " اصوم العشر وعلي قضاء فقال لا ولماذا؟  صم القضا ثم تطوع بما شئت ".وجا عن سعيد بن المسيب كما في البخاري انه كره ذلك".

 فهؤلاء الصحابة والتابعون افتوا بذلك في العشر ومثله كما لا يخفى الست شوال بل الذي ورد عن الصحابة في افضلية صيام العشر اكثر واقوى من الست حتى كان عمر يؤخر قضاء رمضان الى العشر لفضيلة الصيام فيها ، بل الست لا اعرف انه ورد عنهم فيها شيئا بل الخلاف بين العلماء في صومها موجود. واما العشر واستحباب صومها فهو عمل الصحابة والتابعين ولا خلاف فيه عندهم . فاذا قدمو القضاء بل امروا به على صيامها مع افضليتها عندهم ومع كونها مقيدة ان صح التعبير فهذا يدل على ان القضاء في مذهب الصحابة مقدم على النفل وان كان هذا النفل مستحبا بشده ومقيدا كالعشر من ذي الحجة ومثلها الست 

وقفة،،،،،
 والبحث ليس فقط مقتصراً  على هل يحصل ثواب ستا من شوال...."  بل لا بد ان يضم مع ذلك ايهما افضل او ايهما السنة تقديم القضا ام التطوع ؟ فاذا رجعنا لفتاوى الصحابة والتابعين والعلما وجدناهم يقدمون القضا على التطوع  فهو  اذن السنة وهو الافضل واذا كان هو السنة فان فعل  السنة افضل واعظم من فعل التطوع ولو عظم اجر التطوع ، فالذي يصلي في الحرم له مائة الف صلاة والذي يصلي في بيته له صلاة واحدة لكن لما كانت السنة فعل التطوع في البيت كان فعلها فيه اعظم من فعلها في الحرم مع تضاعف الصلاة وعلى هذا فلو صح ان الذي يقدم الست على القضا له الاجر المذكور الا ان فعل السنة الذي افتى به الصحابة والتابعون اعظم اجرا وارفع درجة من ثواب الست ، فمن الخطا ان نوصي الصيام بالست ونحن نعلم ان الناس انما يريدون الاجر الاعظم والاكثر ويريدون اتباع السنة وهذا يكمن في تقديم القضا لا في تقديم الست من شوال

وقفة،،،،،
دين الله احق..
 قال النبي فدين الله احق بالقضاء . وهذه قاعدة نبوية عظيمة تبين ان قضاءرمضان احق من كل تطوع.... 

وقفة،،،،،
إشكال .......
من افطر رمضان كله لعذر هل يصوم الست وهو لم يصم يوما واحدا لانه افطر لعذر ومن افطر لعذر فكأنه صام رمضان .! او يقال يصوم من شوال يوما واحدا قضاء ثم يصوم الست .!  وكلا القولين ظاهر الفساد .! واما ع القول الراجح فانه اما ان يقال يكتب له اجره كاملا اذا كانت هذه عادته وكان عازماعلى صومها او يقال صم رمضان قضاء ثم اقض الست بعده ولو كان في غير شوال كما ذكره بعض العلماء ورجحه ابن عثيمين ، وعلى كلا القولين يكتب له اجر الست من شوال فليس ثم اشكال وليس ثم وقوع في مخالفة حديث النبي الذي شرط صوم رمضان قبل الست ، وايضا ليس ثم تأويلات متكلفة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم

والله اعلم 
 
وجزى الله خيرا من شارك في التصحيح وابداء الملاحظات

الأربعاء، 3 يونيو 2015

[منهج المتقدمين والمتأخرين ، والغلو في ذلك].!

[ وقفة مختصرة مع بعض دُعاة التفريق بين منهج المتقدمين و المتأخرين و جنايتهم على علم الحديث ].! تعريف الحديث المنكر كمثال كما ذكره صاحب المقطع.!  
المبحث الأول: سبب الرد،  وعتب، وتحليل ، وتقعيد.

[سبب الكتابة]. 
سألني أحد اخواني [أبو ربيع] أعانه الله و وفَّقه و سدَّده ، أن أكتب جواباً مُختصراً على مقطع قد أرسله لي ، فاستمعت للمقطع
____________
  [ مشاهدة "دورة في علم الحديث على منهج المتقدمين I ج8 I أهمية فهم كلام المحدثين الأوائل" على YouTube - https://youtu.be/iZghzArKdjg ]
___________

 و إذا هو يُدندن حول مسألة التفريق بين المتقدمين و المتأخرين ، (وغالبا يقصدون بالمتأخرين الحافظ ابن حجر ومن بعده ، وقبله ابن الصلاح ، الا ان مرادهم الأول "الحافظ" ، ومن بعده إلى المعاصرين كالالباني ، وأيضا هو مرادهم الثاني بعد الحافظ) ، أوما علموا (إن أحسنا الظن بهم) أنهم "بجرة قلم" هدموا جهد سنين متواصلة لفطاحلة قد "أفنوا أعمارهم في البحث والمذاكرة والتحقيق والجمع والتأليف".! وإن هم اعتذروا أو تلطفوا في العبارة أو "كما قالوا" بأنهم لم يقصدوا ما فهمه الشباب ، فقد سبق السيف العذل ، فقد أعرض كثير من الشباب عن كتب الحافظ وابن الصلاح ومن بعدهم الى عصرنا كما سيمر معنا في قصة لطيفة لبعض من تأثر بهذ الفكر.! وقد لا يلام هولاء الشباب وذلك لثقتهم بمن يتلقون منه العلم ، ولعدم اتساع مداركهم أيضا ، فإذا سمع الشاب سيل الكلام القاذع والارهاب الاعلامي في تلقي العلوم من مصطلحات المتأخرين = احجم عن كتب هولاء العلماء ، ونبذها بل واحتقرها.! حتى قال بعضهم منتقدا الحافظ في بعض تقاسيمه التي ذكرها فأجزم أنها من كيس الحافظ" ،  وقال  أيضا ممارسا الإرهاب العلمي "فانظر إلى هذا (الجديد) و (التطوير) لمعاني المصطلحات، وتنبه إلى نتائج ذلك وأخطاره ".! وقال أيضا وهو يتكلم على بعض المواضع من نزهة النظر"كررنا التأكيد على خطرها وأثرها المدمر على علوم الحديث ".! فما موقف طلبة العلم من كتب هولاء العلماء في ظنك (بعد ما سمعوا هذا الكلام)؟! فهولاء الشيوخ وطلبة العلم  ( كانوا أقدر على اختيار الألفاظ التي هي أنسب وأفضل ، وتجمع ولا تفرق) فقد ذكر -صاحب المقطع-  أن هناك خلاف واضح بين المنهجين ، و أن ذلك أورث إشكالات في فهم مصطلح الحديث ، وضرب لذلك مثالاً و هو : تعريف " الحديث المُنكر " ، و اتَّهم المتأخرين بأنهم قصروا "حد" المنكر على "مخالفة الضعيف للثقة" ..!! و أن ذلك الحد أو التعريف من اولئك العلماء قد أورث جناية .!
[ الحديث الحسن كمثال ] 
ولما أراد -صاحب المقطع-  أن يُدلِّل لمنهج المتأخرين ومخالفته لمنهج المتقدمين ضرب الحديث الحسن كمثال ، وذلك أن المتأخرين جعلوا من شروط الحديث الحسن "اتصال السند" ، فقال مستخفا بعقول الناشئة المستمعين له  "فهذا الترمذي يقول: "حديث حسن وليس اسناده بمتصل".! فهو يريد أن يقول (انظروا هذا الترمذي أطلق مصطلح "الحسن" على ما كان إسناده منقطع، واما المتأخرون فيخالفونه).! وذلك كي يقرر في عقول الصغار صحة مبدأ ما ذكره لهم سابقا من مسألة "مخالفة المتأخرين للمتقدمين".! ولكن ليعلم أن المتأخرين على حد زعمه (كالحافظ والألباني وغيرهم) قد يطلقون أيضا "الحسن" على ما كان إسناده منقطع .! وذلك باعتبارات يعرفها صغار طلبة العلم ، فهم في الحقيقة من هذه الحيثية متفقين مع الترمذي غير مختلفين ،  نعم يحق للانسان أن ينتقد بعلم ، وفهم صحيح لنصوص العلماء ، لكن التلبيس والتدليس مذموم ، فالكل يعلم أن الترمذي له اصطلاح خاص في قوله الحسن ، فالحسن عنده ان لا يكون فيه متهم ولا يكون شاذا وان يروى من غير وجه ، فعلى هذا فقد يطلق "الترمذي" الحسن على حديث هو "منقطع" لكون له طرق وليس فيه متهم وليس بشاذ فما الغرابة في ذلك وما الإشكال فيه ؟! حتى المتأخرين على حد زعم "القوم" يطلقون "الحُسن" على ما كانت هذه صفته ، فأسأل الله أن يصلح قلوب طلبة العلم وأن يطهرها من كل ما يضرها،  وللعلماء تخاريج طويلة للاحاديث التي حكم عليها"الترمذي"بالحسن ، وانما ذكرت هذا باختصار للتدليل على كيف يتعامل بعض المتصدرة مع نصوص العلماء.

[العالم قد يخطىء]
 فلست امانع ان المشتغل بعلم الحديث قد يتوسع احيانا في تطبيق القواعد كما انه قد يقصِّر احيانا ، الا أن الذي أراه غير محمود ويزيد النفرة والفرقة هو نصب خلاف بين منهجين لعلماء اجلاء ، ومن ثم الصاق احد المنهجين بفهم "الخلف" وجعله منابذا ومضادا لفهم السلف وهذا بلا شك لا احد يرضاه ، فإن مخالفة السلف في كل علم " ذميم غايةٌ ".! وبسبب هذه العجلة والارهاب الفكري في المصطلحات العلمية أخذ الصغار  يُحاكمون الكبار ، وتُحاكم مناهجهم على ضوء ذلك الحد او التعريف ، حتى أداهم ذلك الى الاستخفاف والاستهانة بعلماء لا يشك أحد حتى عدوهم في صدقهم وعلمهم وخدمتهم للدين، ووالله ان بعضهم قد قال لي قبل ان يمن الله عليه بترك هذه السبل المضلة بعد نقاشات معه ، قال:"والله كنت احتقر طالب العلم لما ينظر في كتب الالباني، وأقول في نفسي مسكين قد ضيع عمره ووقته".! فلا تـستغرب إذا قيل: "أنهم ضحايا". 

[ كثير من طلبة العلم ضحايا].
و عموماً فأنا شخصيا لا ألوم مثل هذا الشخص أو غيره ؛ لأن الذي أعتقده أنهم ضحايا لمن هو أكبر منهم قدراً في العلم ، فإنهم عنه تلقوا هذه النظريات ، و استقوا هذه التشويهات والتهويشات من دروسهم ، فهم في الحقيقة مقلِّدون ، و ما يتفوهون به ليس الا ترديدا لكلام مشايخهم بلا تحقيق ولا تدقيق ، ولا أقول ذلك اعتباطاً أو تجنِّياً (لا والله) لأني قد سبرت القوم و ناقشت بعضهم =

[قصة .! ومثال يربك متعالم].
والشيء بالشيء يُذكر ، فأذكر أني كنت يوماً من الأيام في مجلسٍ و تكلَّم طالب من طلبة العلم المبرزين آن ذاك عند أصحابه ؛ فقال : الألباني مخالف لمنهج المتقدمين في علم الحديث ..!
فقلت له بعفوية مباشرة : في أي شي خالف الألباني المتقدمين؟!
فقال : في زيادة الثقة ..!! ثم أردف كلامه بقوله :
"فإنه يقبل الزيادة مُطلقاً" ، فقلت : ألم يرد الألباني زيادة "إنك لا تخلف الميعاد" ؟! مع أن الذي تفرد بها ثقة ، فبدأ الاحراج عليه=

[تقعيد لتعرية مايشوش به البعض]
و أردفت قائلا [بكلام لا استحضره كله الا أن هذا معناه] : هذه قواعد لعلم الحديث يتفقون عليها ، ثم يختلفون في التطبيق ، شأنها كشأن أي فنٍّ آخر ، كالقواعد الاصولية كقاعدة "الأمر للوجوب" ؛ فتجد علماء يتفقون عليها و لكن قد يختلفون في التطبيق ؛ و هكذا علم الحديث..!! فلا نصير خلافهم في التطبيق خلافا منهجيا ، وكذا القواعد العامة في العقيدة كقولهم : "إثبات ما أثبته الله لنفسه" ، يتفقون على هذه القاعدة ولكنهم قد يختلفون في التطبيق ، فإذا ورد نَصٌّ فيه صفة مُضافة لله ربما اختلف العلماء :
هل هذا النص من نصوص الصفات أم لا ؟! 
فالنص الذي فيه إثبات الظل لله "يوم لاظل إلا ظله" الشيخ ابن باز - رحمه الله - أثبت الظل لله ، و الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - لم يثبته ، و لم يجعل هذا النص من نصوص الصفات ، و ابن تيمية جعل قول الله "فثم وجه الله" ليست من نصوص الصفات ، و جعل المراد من ذلك هي الجهة ، و خالفه تلميذه ابن القيم فجعل ذلك من نصوص الصفات ، و أنها تدل على صفة الوجه لله ؛ فلا نجعل خلافهم في التطبيق هو خلاف في المنهج ، ولا يسوغ ذلك أن يقال "ان ابن تيمية و ابن عثيمين مؤولون ، ومخالفون لمنهج السلف" ..!!

[تطبيق النسبية في علم الحديث]
وإذا أتينا لعلم الحديث ايضا وجدنا زخما من الأمثلة التي امتلأت بها كتب السنة والعلل والسؤالات والتراجم والتخاريج من اختلاف اساطين علم الحديث (كالبخاري وأحمد وأبي حاتم ومسلم وابن معين وابن المديني وأبي زرعة الى الدارقطني ومن في طبقته وإلى البيهقي ومن في طبقته .........الخ) فتجد اختلاف هولاء العلماء في الحديث الواحد وليس ذاك لاختلاف المناهج ، أو أن لكل منهم قواعد تضاد قواعد الآخر ..."لا" .! وإنما يحصل ذلك الاختلاف ؛ " لاختلاف الأفهام في تطبيق تلك القواعد في ذلك المثال المعين" ، ولم نجد أحدا منهم اتهم الآخر  أنه على منهج هو خلاف منهج المحدثين ، ولم نجد أيضا أحدا  "ممن كان في عصرهم" اتهم أحد "الطرفين" بتلك التهمة مع ردودهم المتكاثرة التي امتلأت بها الكتب .! فلا يبعد إذا قيل عن تلك "التهمة" أنها "بدعة عصرية".! 
نستعرض بعض الاختلافات بين اولئك الشموس والأقمار.

الأمثلة.
المثال الأول: إعلال المحدث لحديث ؛ لظنه أن هذا الحديث خلاف الأحاديث الأخرى ، ومخالفة محدث آخر له في ذلك الفهم ، وأنه ليس على خلاف الاحاديث الأخرى. 
فهذا ابو داود ينقل في سننه تعليل "حديثٍ" عن احمد بن حنبل واحمد ينقله عن شيخه عبد الرحمن ابن مهدي بأن ذلك الحديث خلاف الاحاديث الأخرى ، فقال ابو داود"وليس هذا عندي خلافه".! (٣٠٠/٢). وليس المقصد تضعيف الحديث او تصحيحه، وإنما المقصد اختلاف افهامهم في التعليل وإعمال كل منهم لعقله ، فهذا ابو داود وهو من تلاميذ احمد يخالف شيخه وشيخ شيخه في ذلك التعليل، فلم يُرْمَ بتلك "التهمة".! أو كيف يجرؤ على خلاف هولاء؟! 
المثال الثاني: ضرب "أحمد بن حنبل" على أحاديث ، قد خرجها البخاري ومسلم ، كحديث "لو أن الناس اعتزلوا هذا الحي من قريش " ؛ لظنه -أحمد-  أنها تخالف الاحاديث المشتهرة المتكاثرة ، التي تأمر بالصبر على جور الائمة وظلمهم.!
قال عبد الله بن أحمد: وقال أبي في مرضه الذي مات فيه: " اضرب على هذا الحديث (لو اعتزلوا هذا الحي من قريش ) ؛ فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني قوله: " اسمعوا وأطيعوا واصبروا "
( مسند أحمد، ٣٨٣/١٣). وقال أيضا عنه: "قال المروذي: وقد كنت سمعته يقول: هو حديث رديء، يحتج به المعتزلة في ترك الجمعة"
(المنتخب ص١٦٣).!وانظر تعليق ابن القيم وكيف برر لإفهام المحدثين المختلفة ، ولم يعب على أحد منهم.!  (الفروسية ، ص٦٨). وكذا فعل الإمام "أحمد" في حديث ابن مسعود الذي خرجه مسلم ، فقال: "وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود، ابن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصبروا حتى تلقوني" (مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود ص٤١٨ ).
فلم يفهم "البخاري ومسلم" ذلك الفهم الذي فهمة أحمد  ولذلك اخرجوها في الصحيح ، فلا يحق لأحد ان ينصب خلافا بين اولئك الأئمة ، فيجعل المنهج "منهجين".! 

المثال الثالث: تعليل المحدث لحديث  لكونه يشبه احاديث راو آخر ضعيف، وذكره لبعض القرائن التي تدل على ذلك، بينما تجد محدث آخر يحتج بهذا الحديث في صحيحه ولا يلتفت لتلك القرائن.
اخرج البخاري في صحيحة حديث "اللهم رب هذه الدعوة التامة" وقد أعله ابو حاتم فقال: "وعرض علي بعض تلك الكتب فرأيتها مشابهاً لحديث إسحاق بن أبي فروة ، وهذا الحديث من تلك الأحاديث"( العلل ، ٣٢٠/٥)

المثال الرابع: حديث "اكثر عذاب القبر من البول" قال ابو حاتم: "باطل" (٥٥٨/٣). وقد صححه البخاري ، نقله الترمذي عنه في العلل(ص٤٢).

والأمثلة كثيرة جدا ، وكل هذا الخلاف هو خلاف في التطبيق ليس إلا ، لا اختلاف مناهج وطرق ، وساعد على ايجاد ذلك الخلاف =  اختلاف أفهام المحدثين في تنزيل تلك القواعد على الأعيان والأمثلة.
ولكي لا نُطيل نتوقف عند المثال الذي ذكره صاحب المقطع ؛ وهو : " تعريف المنكر " 

[مقدمة نذكرها بإيجاز].
[فلسفة التعاريف].
أوَّلاً : إن التعاريف و الحدود لم تكن يوماً عائقاً لفهم أي فن ، ولذلك لم يهتم بها السلف ، و إنما كان التطبيق هو الأصل والذي عليه المعوَّل ، فمن الظلم اتيانك لعالِم لتنظر في حدوده و تعاريفه ثم تحاكمه على ذلك ، فإن التعاريف انما وضِعَت في الأصل  " لتقريب"  العلم لا " لتحديده" ، وعند التطبيق قد يخالف العالم حرفية تلك الحدود و التعاريف ، فالتطبيق نهر والحد وادي ، وربما ضاق النهر ان جرى في حد الوادي ، و انظر للعلماء الذين تكلموا في مسألة :
"زيادة الثقة" فإن هناك علماء أجلاء قد قالوا : "زيادة الثقة مقبولة" ؛ كالبخاري و أبي زُرعة وهلم جر الى اخرهم وهو" مُحدِّث الشام الألباني" ، فانك قد تجدهم يخالفون ما قرَّروه و أطلقوه عندما يأتي التطبيق في الواقع ، وهنا قاعدة قد ظهرت لي بحسب اطلاعي  لكثير من مناهج العلماء وهي أن : الحكم على منهج العالم إنما يكون "بتطبيقه لا بتنظيره" 
[التوسع والتضييق وبدعة المناهج المختلفة ].
ثانياً : مِمَّا لاشك فيه ؛ أن العلماء وفي كل فن يختلفون في مقدار التوسع و التضييق في تطبيق القواعد ، والجري على سنن الحدود ، فبينما تجد بعضهم يتشدد في التطبيق ، تجد آخر يخالفه ويتوسع ، وتجد أيضاً آخرين يتوسطون وهكذا...
فلا يسوغ ذلك الخلاف نصب مناهج مختلفة للعلماء ،  وفي الحقيقة هي منهج واحد، وانما الخلل في الفهم فإن الفهم ربما تخيل اشياء لا حقيقة لها.! ؛ وأيضا سوف تجد الذي كان متشددا(في نظرك) قد تساهل في مثال آخر ، بينما خالفه الذي كان يتساهل فتشدد في هذا المثال  ، وسر المسألة أن تطبيق القواعد الجامدة بلا حس ولا تذوق لقواعد هذا الفن، ولا مراعاة للتعليل والنظر ، وما يحتف بذلك من قرائن = لم يكن يوما حرفة القوم ،  فإنهم عن .!

[ الحديث الصحيح عند الكبار]
 وانظر تعريفهم للحديث الصحيح ؛ [فإنه من اظهر الأمثلة وابينها] ، فليس كل إسنادٍ صحيح يدل على صحة المتن ، وليس ذلك لمخالفة أو شي من هذا ، [بل للحس والذوق وطول الممارسة والعمق العلمي الذي أورث في كل فنٍ "عُرْفاً" يميزون به بين الباطل والحق ] ، فعند غيرهم ضربا من الحدس والكهانة وعلم الغيب ، وعند أهله هو غاية التحقيق ، فهم قد نقَّوا وزكوا من كل علم [مظهره وجوهره] ،  فإذا كشفوا لك عن شيء = رأيت ثم رأيت علما عظيما.
 قال ابن القيم : "وأكثر الناس إنما هم أهل ظواهر في الكلام واللباس والأفعال، وأهل النقد منهم الذين يعبرون من الظاهر إلى حقيقته وباطنه، لا يبلغون عشر معشار غيرهم ولا قريبا من ذلك، فالله المستعان" (اعلام الموقعين(١٤٨/٤) ، وقال أبو حاتم الرازي: قال عبد الرحمن بن مهدي: «إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة»(العلل ٢٩/١). نعم [كهانة] .! إذ أن كل علم هو كالعرافة والسحر بالنسبة لمن يجهله.! 
[أمثلة لتعاملهم مع الأخبار والأثار].
 وبعض المحدثين ربما حكم على إسناد صحيح أنه "باطل" ، ومع ذلك يصرح ويقول : لا أعرف له علة، إلاّ أنه ليس بصحيح.! حتى عدَّه أهله -علم الحديث "إلهاما" .! قال محمد بن عبد الله بن نمير: قال عبد الرحمن بن مهدي: «معرفة الحديث إلهام» ( الجرح والتعديل(١٩/١) ، وهذا الامام الكبير "الخطيب البغدادي" يقول في حديث وقد استنكره : "لم يزل حديث مسروق هذا يتلجلج في صدري وأستنكره وأجيل فكري فيه سنين كثيرة فلا أعرف له علة ، لثقة رجاله واتصال إسناده، حتى حدثني الحسن".! (كشف المشكل ٤٨١/٤).
ثم ذكر "علته" التي قد حكم بها "مسبقا" ذوقه السليم  ومعرفته الفذة وتعمقه قبل ان تقع عينه على ما أثبت به صدق حدسه وتوجسه.! ؛ فهل تجده قال ذلك و لم يُراع تلك القواعد القائلة : " أن الحديث إذا صح سنده وجب قبوله والعمل به". ؟! فالتطبيق لتلك النظريات هكذا مجردة دون "فهم" و "استشكالات" و "تعليلات" و "تذوق صحيح" ليس من العلم في شي ، فربما عجز المحدث عن الجواب اذا سئل عن سبب التعليل ، . قال ابن نمير: «لو قلت له "للمحدث" : من أين قلت؟ لم يكن له جواب»(الجرح والتعديل ١٩/١) ، وصدق ، بل وصل الأمر ان قالوا انهم يدعون علم الغيب كما حدث للرجل الذي سأل ابا حاتم عن بعض علل الحديث فكان يعللها ولا يذكر له سببا.! فقال الرجل: "أتدعي علم الغيب"(الجرح والتعديل ، ٣٥٠/١)
(الحاكم يُنَظِّر)
و انظر لكلام الحاكم عندما قال :
"إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط ، و إنما يعرف بالفهم و الحفظ و كثرة السماع ، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم و المعرفة ، ليظهر ما يخفى من علة الحديث"(معرفة علوم الحديث ص٥٩)
(أبو زرعة لا يعلم العلة)
وقد يُعِل المحدث الحديث ويُسأل "هل تعرف علته" فيقول: ( لا ).!
قال ابن أبي حاتم في علل الحديث: "سألت أبا زرعة عن حديث رواه بقية عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه لم يكن يرى بالقز والحرير للنساء بأسا". فقال أبو زرعة: "هذا حديث منكر. قلت: تعرف له علة ؟ قال: لا". ( ١/ ٤٨٨ ).
(كيف صدر هذا الكلام منهم)
وما صدر هذا الحكم منه الا أن هذا العلم لم يكن يوما عندهم قواعد جامدة يجريها العالم والجاهل على حد سواء، فلو كانت القاعدة تطبق كما هي لا ستوى فيها العالم والجاهل.! وانما الذي ميز العلماء عن غيرهم معرفتهم التامة في متى تطبق هذه القواعد.!
(إمامان في عصرين مختلفين   )
فهذا ابو حاتم امام هذا الفن يقول: "سمعت هذا الحديث عن عبادة منذ حين، وكنت أنكره، ولم أفهم عورته حتى رأيته الآن".(٩٧/٢)
وهذا الحاكم يقول عن حديث: " هذا حديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الإسناد والمتن لا نعرف له علة نعلله بها".! ( علوم الحديث، ص١١٩)
فتعريف الصحيح شيء ، والتطبيق شيء آخر ، وما جنى على العلم بمثل ما جنى عليه هولاء ، و ذلك في كل فن  ،وليس ذلك حكراً على الحديث وأهله .
[ منهج الالباني التطبيقي حكما]
فإن أغلب من يدندن على مسالة المتأخرين و اختلاف المناهج ، إنَّما يقصدون الألباني أصالةً - رحمه الله - ، ويقصدون غيره أيضاً .
فإذ كان مرادهم الأول ، أو نقول من مراداتهم أصالةً الألباني ؛ فلنقتصر على الألباني و لنجعل منهجه حَكَماً ، فأما أن يدل على صحة كلام هولاء فحينها يجب علينا اتِّباعهم و الانقياد لكلامهم ، و إما أن يكون العكس ؛ فيظهر من منهج الشيخ ما يدل على جهلهم إن أحسنَّا الظن بهم (وهذا الذي أميل له) ، أو يدل على هوى متبع (وهذه لا حيلة فيها)، ولا يمكن الاحاطة بكل الانتقادات وانما سنأتي على المثال الذي ضربه هذا المتكلم في المقطع وهو : "تعريف المنكر"
[الأصل التطبيق]
-وكن معي مُستصحِباً ما مضى التنبيه عليه من الفرق بين وضع الحد وبين التطبيق ، و أيضاً أن الأصل في الحُكم هو التطبيق لا التنظير-
الألباني - رحمه الله - يُعرِّف المُنكر كما يُعرِّفه الحافظ "بأنه ما خالف فيه الضعيف الثقة" ؛ وهذا محل النقد عند القوم ، ويحاكم منهجه عليه . 
فهل الألباني تمسك بحرفية هذا الحد؟! حتى يصح أن يُحاكم لذلك ، ومن ثَم يجعل له منهجاً مُخالِفاً لمنهج المُحدِّثين ؟! و مِما لا شك فيه أن مخالفة منهج السلف في كل فن مذموم ، فتكون النتيجة أن منهج الألباني و الحافظ بن حجر و غيرهما كثير ، تكون مناهجهم بتلك المخالفة مذمومة .

[المبحث الثاني]
الأمثلة التي تكلم عليها الألباني و حكم عليها بالنكارة ، مع أن المخالفة ليست من ضعيف لثقة .

المثال الأول : حكم على تَفرُّد ابن اسحاق أنه مُنكر .

حديث : "فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة ، وفي آخرها على وركه اليسرى"  

وقد تفرَّد به ابن إسحاق ، وقد صرَّح بالتحديث ، و معلومٌ أن ابن اسحاق عند الشيخ الألباني (حسن الحديث) .

قال الألباني - رحمه الله - : 
"و ذِكر التورُّك و التشهد الأوسط (منكر) في حديث ابن مسعود هذا ؛ فقد أخرجه الشيخان و الأربعة و غيرهم من طرق كثيرة ، وليس فيه هذا الذي ذكره ابن إسحاق . والله أعلم. "(صفة الصلاة ٨٣٢/٣)

المثال الثاني : حكم على تفرد الصدوق بأنه منكر .

قال الشيخ - رحمه الله - :
" إلاّ أن أبا يعقوب قال : (لبن) بدل  (رطبات) . وهو شاذ أو منكر ، فإن أبا يعقوب هذا و إن كان صدوقاً ، فقد قال ابن حبان فى ترجمته : من الثقات ربما أخطأ"(ارواء الغليل، ٤٥/٤)

المثال الثالث: حكم على مُخالفة الثقة الذي فيه كلام يسير بأنه مُنكر .

قال الشيخ - رحمه الله - : "فتعيَّن أنه الراسبي ؛ لأنه متكلم فيه من قِبَل حفظه ، و إن كان ثقة في ذات نفسه ..... و لما كان قد تفرد بهذه الزيادة التي ليس لها شاهد في الطرق السابقة ، فالقواعد الحديثية تعطينا أنها زيادة منكرة ، كما لا يخفى على المهرة"(الضعيفة ٤٨٢/٣) 

المثال الرابع : حكم على تفرد ثقة بالاتفاق بأنه منكر ؛ لأن متنه باطل . 

 قال الشيخ - رحمه الله - :
"و أما الرواية التي أخرجها الطبري في (كتابيه) من طريق سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفاً بلفظ :

"إن الله تعالى ذكره كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً ، فكان أول ما خلق
الله القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ... " الحديث .

فهو منكر جداً عندي ؛ لقوله : " ... فإنه يُشعر أن العرش
غير مخلوق !! وهذا باطل ، وقد رواه شعبة ، عن أبي هاشم فلم يذكر
فيه هذا الباطل ، ولعله من قبل أبي هاشم الرماني ، فإنه وإن كان ثقة بالاتفاق ، فقد غمزه ابن حبان"(الضعيفة، ٦٧٩/١٣)

وهذا يصلح دليلاً أيضاً أن الشيخ يُحاكم المتن أيضاً ولو صحَّ السند .

المثال الخامس : حكم على لفظة وردت بسند حسن "أنها منكرة" لمخالفتها أحاديث أُخرى .

قال الشيخ - رحمه الله - :
"حسن  لكن قوله : (فلم يصل ....) منكر ؛ لمخالفته الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلّى ـ ليلة إذ ـ إماماً ، والصلاة في الأقصى سنة ، يشرع شد الرحل إليه" .(التعليقات الحسان ، ١٧٣/١)

المثال السادس : حكم-الألباني- على لفظة خالف فيها حفص بن غياث وهو ثقة بالاتفاق ، بأنها منكرة .
قال الشيخ - رحمه الله - :
"تفرد بروايته حفص بن غياث لم يذكر فيه النزول ، ولا قوله تعالى المذكور ، بل رواه بلفظ : "ثم يأمر مُنادياً ينادي يقول : هل من داعٍ.." ، وهذا خطأٌ بيقين ؛ لمخالفة حفص لستة من الثقات رووه باللفظ الأول".

وقال في موطنٍ آخر مُتعقِّباً بعض المبتدعة:
"قد صحح هذا الحديث المُنكر".(الضعيفة، ٧٤٣/١٣)


المثال السابع: يحكم الشيخ على راوٍ أنه "حسن الحديث" ثم يجعل حديثه منكرا لمخالفته الثقة ، قال الالباني : ""محمد بن الأشعث" فمثله حسن الحديث عندي إذا لم يخالف، ولكن لما كان قد تفرد بهذا الحديث وخالف فيه الثقة وهو طلحة بن عبد الله بن عثمان القرشي الذي أثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهي صائمة، كان الحديث بسبب هذه المخالفة شاذا بل منكرا وقد اتق الشيخان على إخراج حديثها بلفظ: " كان يقبل وهو صائم " وليس فيه بيان أنها كانت صائمة أيضا كما في حديث القرشي عنها وقد خفي هذا على بعض أهل العلم، كما خفي عليه حال هذا الحديث المنكر" ( الضعيفة ، (٣٣٦/٣)

[الخاتمة]
وهذه الأمثلة مِمَّا أنا مُقيِّده عندي ، و ليست للحصر ؛ بل هي أكثر بكثير .
وتركت التعليق على الأمثلة لوضوحها ، فإنها تنوَّعت من ثقة باتفاق إلى ثقة فيه كلام يسير إلى حسن الحديث في أعلى مراتبه إلى صدوق ؛ وهكذا حكم على ذلك كله بانه منكر ؛ لنعلم أن جناية الغُرباء في كل فن على الفن نفسه ، و على أهل الفن عظيمة و وخيمة .

هذا و صلَّى الله على محمد و على أهله و صحبه .

كتبه أخوك / حسن بن صنيدح العجمي 
صبيحة يوم الجمعة
11 شعبان 1436
29 مايو 2015


تنبيه :

• العنوان وضعه الناقل (أبور ربيع أحمد البريكي)

• التشكيل و علامات الترقيم قام بها الناقل.

• يُرجى عدم الزيادة أو الحذف من الجميع.