بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين
فهذه وقفات مع مقالة الشيخ (رحمه الله) عبد الله بن زيد ال محمود ..
وجعلت قول الشيخ بين اقواس وسطرته..
قول الشيخ: [ وقد اختلف الأئمة في هذه المسألة ، فقال أبو حنيفة : بجواز أخذ الشعر وقلم الظفر للمضحي بلا كراهة ، وذهب الإمام مالك والشافعي إلى أنه مكروه كراهة تنزيهية ، وذهب الإمام أحمد في الرواية الراجحة في مذهبه إلى أنه حرام ، اعتماداً منه على حديث أم سلمة ، فالقول بالتحريم هو من مفردات الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ التي خالف بها سائر الأئمة ، كما قال ناظمها :في عشر ذي الحجة أخذ الظفر على المضحي حرموا والشعر ].
أصاب الشيخ في نقله ، الا انه ترك بعض النقولات المهمة ، فليس احمد هو الوحيد الذي منع من ذلك ، بل هو منقول عن الصحابة كما ذكره عنهم سعيد بن المسيب باسناد صحيح ، وهو قول سعيد بن المسيب وبن سيرين واسحاق وغيرهم ، لان البعض قد يفهم من كلمة " انه من مفردات احمد " ان احمد هو الوحيد الذي منع من ذلك فوجب التنبيه..
قول الشيخ: [ والواقع أنَّ (حديث ام سلمة) ورد من طريق أم سلمه وحدها ، ولم يروه أحد من الصحابة غيرها ]
وهذا الاعتراض مردود ؛ فقد نقل ابن القيم الاتفاق ان تفرد الصحابي بحديث مقبول
قال ابن القيم: "ولا نعلم أحدا من أهل العلم قديما ولا حديثا قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابى واحد لم يقبل، وإنما يحكى عن أهل البدع ومن تبعهم فى ذلك أقوال، لا يعرف لها قائل من الفقهاء".
قول الشيخ: [ وقد أنكرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ على أم سلمة هذا الحديث ].
وهذا وهم من الشيخ ( والله اعلم ) فليس في كتب الحديث شي من هذا ، وانما انكرت على ابن عباس وبعض من كان يفتي ان من بعث هديه الى مكة ولم يحج فانه يحرم عليه ما يحرم على الحاج كما هو في الصحيحين
وكان ايضا بعضهم يستشكل ذلك وكانت عائشة تجيب.
مسروق: أنه أتى عائشة، فقال لها: يا أم المؤمنين، إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر، فيوصي أن تقلد بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس، قال: فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب، فقالت: لقد «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبعث هديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله، حتى يرجع الناس»البخاري.
قول الشيخ: [ أنكرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ على أم سلمة هذا الحديث مبينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق من أحرموا بالحج ، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة ].
وهذا ايضا لايوجد حسب علمي في شي من الاثار ولا كتب الحديث
قول الشيخ: [ قالت : ولقد فتلت قلائد هدى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمتنع من شيء كان مباحاً أي لا من الطيب ولا من النساء ، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره ـ قاله في المغني ].
وهذا وهم فابن قدامة استبعد ان يكون مراد عائشة الشعر والاضافر فقد قال : "فأما ما يفعله نادرا، كقص الشعر، وقلم الأظفار، مما لا يفعله في الأيام إلا مرة، فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، وإن احتمل إرادتها إياه، فهو احتمال بعيد".!
قول الشيخ: [ومن المعلوم أن السيدة عائشة هي أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرف من أم سلمة بحديثه ]
يمكن ايراد هذا الكلام عند التعارض الذي لا يمكن عنده الجمع بين النصوص
قال الحافظ: "فإن الجمع أولي من الترجيح باتفاق أهل الأصول".
وقد لخص ابن قدامة الجمع فقال : "ومقتضى النهي التحريم، وهذا يرد القياس ويبطله، وحديثهم عام(حديث عائشة)، وهذا (حديث ان سلمة) خاص يجب تقديمه، بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص؛ ولأنه يجب حمل حديثهم على غير محل النزاع لوجوه؛ منها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروها، قال الله تعالى إخبارا عن شعيب (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه)".
قول الشبخ: [ ولو كان هناك نهي للمضحي عن أخذ الشعر وقلم الظفر لما خفي عليها أبداً ].
لا نوافق الشيخ ، فقد يخفى على عائشة كما خفيها عليها غير ذلك مثل المسح على الخفين وهو امر ظاهر مشهور اشهر واظهر من مسالتنا ، حتى قال ابن عبد البر في الاستذكار (٢١٨/١) : "لا أعلم أحدا من الصحابة جاء عنه إنكار المسح على الخفين ممن لا يختلف عليه فيه إلا عائشة".
والامر الاخر ان نقول: ان ذلك لم يخف على عائشة ، لان حديث عائشة يحمل على وجه صحيح لا يتعارض مع حديث ام سلمة
كما قال ابن القيم في البدائع(١٢٥/٤): " وفقهاء الحديث كيحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل وغيرهما عملوا بالنصين ".!
قول الشيخ: [ ولكان من لوازم هذا النهي أن يشتهر بين الصحابة ، ولم نعلم أن أحداً قال به ما عدا انفراد أم سلمة بحديثه ].
وهذا وهم من الشيخ فقد اشتهر بين الصحابة وقالوا به فقد جاء عن سعيد بن المسيب باسناد صحيح ان اصحاب محمد كانوا يقولون ذلك "ان من اشترى اضحيته فليمسك عن شعره وظفره" وعمل به سعيد بن المسيب وغيره من التابعين.! ومن طريق اخر صحيح قال سعيد بن المسيب"كذلك كانوا يفعلون" اخرجه البخاري في التاريخ ، وسعيد من كبار التابعين فهو يقصد جزما الصحابة كما بينته الرواية السابقة..
فلم تنفرد ايضا ام سلمة به كما توهم الشيخ ..
صحيح ان الحديث قد نسي وترك من غالب الناس ؛ وذلك بسبب الجهل الا ان الحق مادل عليه الحديث ولو كان العامل به قليلا
فقد جا في مسند اسحاق (٥٦/٤) : عن عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة الليثي قال: دخلنا الحمام في عشر الأضحى، وإذا بعضهم قد أطلا، فقال بعض أهل الحمام: إن سعيد بن المسيب يكره هذا، أو ينهى عنه، فخرجت فأتيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له، فقال: " يا ابن أخي، هذا حديث قد نسي وترك، (ثم ذكر الحديث)
واثر سعيد بن المسيب قوي الدلالة جدا ، وهو مما حدى بالطحاوي ان يترك ويخالف مذهب امامه فقد قال بعد ان ذكر اثر سعيد في المشكل(١٤٣/١٤) : "فهذا هو القول عندنا في هذا الباب، وهو خلاف ما يقوله أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه، وما يقوله مالك وأصحابه، وبالله التوفيق".!
وهذا مما يدل على تجرد الطحاوي رحمه الله.!
قول الشيخ: [وقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ هو المعقول المطابق للحكمة ، إذ لا يمكن أن ينهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عن أخذ الشعر وقلم الظفر ويبيح ملامسة النساء والطيب ، ولو كان هذا التشبه صحيحاً لوجب الكف عن الطيب والنساء ، ولم يقل بذلك أحد ].
اذا صح الحديث فلا مجال للعقل فيه ، والحكمة هي العمل بالسنة الثابتة..
ومع ذلك فان مشابهة المضحي للمحرم يناسب ان يشابهه في بعض احكامه لا كلها ، وقد كان ذلك في الشعر والظفر وهذا كاف لظهور المشابهة. والله اعلم
قول الشيخ: [ ان اسماء اخطأت في الحديث كما اخطأ ابن عباس في ان النبي تزوج ميمونة وهو محرم وهو في الصحيحين] بتصرف.
اما حديث ابن عباس فليس هناك اتفاق على انه اخطأ ، فقد ذهب البخاري الى تعليل الاحاديث المعارضة له كحديث ميمونة في صحيح مسلم ورجح ارساله ، وكذا اعل حديث رافع بتفرد احد رواته بوصله.!
ومن العلماء من صحح الاحاديث كلها وجمع بينها بأن حديث ابن عباس المراد به انه تزوج ميمونه وهو محرم "اي وهو في مكة" ، فانه يُقال "أحرم اذا دخل الحرم وأنجد اذا دخل نجد" وهو قول ابن حبان في صحيحه
وعلى فرض انه خطأ فان القصة في حديث ابن عباس واحدة ، بخلاف حديث اسماء وحديث عائشة فهما حديثان منفصلان ليس بينهما قصة او حدث يرجح احدهما على الاخر.
قول الشيخ: [ والأدلة إذا تعارضت يقدم منها ما هو أقوى وأصح ].
الرد: قال الحافظ: "فإن الجمع أولي من الترجيح باتفاق أهل الأصول".
قول الشيخ: [ والحاصل أنَّ هذا الحديث عن أم سلمة قد انقلب عليها ، حيث إن أهل المدينة يحرمون بالحج عند مستهل ذي الحجة......الخ].
القلب لابد له من دليل بين واضح ، وما ذكره الشيخ انما هو فهم وراي رآه ، وادعاء القلب بدون دليل واضح يفتح بابا ، فكل من اراد ان يرد حديثا ادعى انه مقلوب..
قال الشيخ الالباني: "فالانقلاب لا بد من إثباته بالحجّة القاطعة".سلسلة الهدى والنور.
قول الشيخ: [ إذ لا إحرام إلا لمن أراد الحج أو العمرة، وليس على أحد في غيرها إحرام ، لهذا يجوز في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي أن يفعل سائر المباحات من الطيب والنساء ].
ان قصد الشيخ انه في غير الحج والعمرة لا يحرم شي مما يحرم على الحاج والمعتمر من الطيب او النساء او قص الشعر (وهو ظاهر كلامه)...ففيه نظر، فان المحادة على الزوج يحرم عليها الطيب والزينة مدة الحداد..
اذن فتحريم بعض المباحات (مدة من الزمن) مرده للشرع فلا يقال فيه لماذا وكيف..
واخيرا يقول الشيخ [ هذا وإن الذي جعل الناس يتورعون عن أخذ شعرهم وقلم أظفارهم ويرونه أمراًَ كبيراً في أنفسهم هو كون الخطباء يخطبون الناس في عشر ذي الحجة بالتحريم ، ولم يجدوا من يبين لهم طريق التيسير وكون الأمر سهلاً وليس عسيراً ]
هولاء الخطباء اخذوا بوصية سعيد بن المسيب لما قال (هكذا كان اصحاب محمد يقولون).
والله اعلم
كتبه / حسن صنيدح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق