الجمعة، 17 يوليو 2020

نصايح في النصح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين 

قال تعالى سبحانه {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
فقدم سبحانه كلمة "الخير" وهي كلمة جامعة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الخير ، إلا أنه قدم كلمة "الخير" ليكون مرجع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الخير.
فليس كل أمر بمعروف خيرا ، وليس كل نهي عن منكر خيرا ، بل ما غلبت مصلحته على مفسدته فهو الخير ولذلك قدمه الله وهذا من بديع البيان وبلاغة القرآن.!
فكأنه يقول لك إذا أردت أن "تتكلم" سواء تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر ، أو تنصح ، أو تجادل وتناقش = فانظر هل يؤول ذلك إلى خير أم لا ؟
 والمراد بالخير هو الذي (تغلب مصلحته على مفسدته).

وهذه بعض السلبيات التي تعترض نصح الناصح:   
أولا: البعض إذا نصح شفى قلوب المبتدعة ، وأحزن قلوب أهل السنة ، وأشغل شبابها بقيل وقال.

ثانيا: البعض إذا نصح ربط الخطأ بأصول سلفية وقع فيها الخطأ ، وعامة الناس لا يميزون ذلك ، فيظنون أن ذلك الخطأ كان بسبب تلك الأصول.
فضلا عن المتربصين والمتصيدين..

ثالثا: البعض إذا نصح أغرق في الذم والقدح وذكر الأوصاف القبيحة ، وأجمل في بيان الحق.
وكان يكفيه من القلادة ما أحاط بالعنق.

رابعا: التفصيل في ذكر المعايب = يفسد ولا يصلح ، ولذلك تجنبه العلماء.

خامسا: هناك كلمات أصبح لها عُرف خاص أطلقها أهل البدع يذمون بها السلفيين.
كالغلو في السلطان والغلو في الطاعة.
 فمن الخطأ مجاراتهم في ذلك اللقب ؛ لأنه قد شوه معناه ، وأصبح غالب الناس لا يفهمون منه إلا الدعوة السلفية = التي تأمر بالسمع والطاعة.
وهذا على غرار قول الله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا}

سادسا: البعض إذا نصح ضخّم الأمر وعظّمه ، فإذا جاء التبيين والتوضيح أبهم وأجمل.
فلم يكن التبيين والتوضيح موازيا لذلك التهويل والتضخيم.

سابعا: البعض إذا انتقد الداخل السلفي = ذهب ينتقد أناسا لا معول عليهم .! 
فكان الأحرى تجاوزَ هولاء بالسكوت عنهم.

الثامن: البعض إذا نصح كأنه يعرّض بالسلفية ويستعدي عليها أهل الجهالات.!
ونجزم أن إخواننا براء من ذلك إلا أن الأسلوب يخون صاحبه.

التاسع: أحيانا يخلق الإنسان لنفسه منصبا افتراضيا وكأنه هو الوصي عليه فقط.
وهذا قد يكون سببا لحدته في الرد ، وتجاوزه لمحل الإنصاف.

العاشر: الحماس الزائد في الردود على بعض الأخوة يضر ولا ينفع.
فتوضع الأمور في نصابها أفضل.

الحادي عشر: البعض إذا نصح لحماية المنهج والعقيدة أجمل ولم يفصّل ، فيترك الناس يدوكون ليلهم ما المراد ، ومن المراد؟!
والأصل في العقيدة البيان والوضوح.

الثاني عشر: البعض إذا بين بعض أخطاء إخوانه جعل ذلك شعارا له يعيد فيه ويزيد.
وهذا عكس صنيع العلماء فكان شعارهم الرد على أهل البدع.
وإذا أخطأ بعض إخوانهم بينوا ذلك ولم يقفوا عنده.

الثالث عشر: البعض إذا نصح = نصح بطريقة كأنه يثبت فيها اتهامات تثار حول السلفية من قبل خصومها.

الرابع عشر: قاعدة المصالح والمفاسد تجري في أبواب كثيرة منها النصح وتبيين الحق.
فمن أراد أن ينصح فلينظر ما المفاسد في ذلك وما المصالح؟
فليس كل حق يقال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تبشرهم فيتكلوا".          

الخامس عشر: كل شيء له بديل حسن يفي بالمقصود.
فالنصح المُنتقد ممكن أن يستبدل بآخر يحصل به المراد ، ويندفع به الشر ، ولا ينفذ منه أهل البدع.
والموفق من وفقه الله.

السادس عشر: الاهتمام بطريقة النصح ، أعظم من النصح نفسه ، وأحب إلى الله.

السابع عشر: كل نصح استظهر به أهل البدع على أهل السنة ، وأشغل أهل السنة فليس بنصح.

الثامن عشر: وأنا أضرب لك مثالا في النصح النافع الذي ينفي الدواخل ، ولا يتصيد به أهل البدع ، والعكس أيضا.
معلوم أن الكلام والإغراق في صفات الله عند العامة مذموم لأنه قد لا تحتمله عقول كثير منهم ولكن يُعطون ما ينفعهم من حيث الأصول في ذلك والقواعد العامة وقد ذكر ذلك ابن تيمية وابن عثيمين.
الشاهد لو وجدنا من سلك هذا الغلو أو الإغراق في ذلك.
فلك طريقان في النصح والتحذيز من ذلك.
الأول: كما فعل ابن تيمية وابن عثيمين نصحوا وبينوا وأخرجوا ذلك في إطار نافع ، لا يفتح بابا للطعن ، ويندفع به الخطأ.

الثاني: نصح قائم بمقدمة في أهمية باب (الأسماء والصفات) وأنه حق وهذا كله في (سطرين).!
 ثم ينتقل بعد ذلك إلى اتهامات متتالية تترى على هولاء وأنهم أغرقوا في الصفات ، ويتكلمون فيها ليلا ونهارا ، وفي كل مجلس حتى وقع بعضهم في التجسيم والتشبيه ......الخ في عشرين صفحة قدح وطعن وذم ، وبين كل جملتين يذكر باب (الأسماء والصفات).!
فإذا نظر الأشعري قال انظروا هذا واحد منهم أصبح يتضجر من باب الأسماء والصفات .! بل اعترف أن باب الأسماء والصفات جرهم للتجسيم والتشبيه .!
ثم يقول لك في الختام (الحمد لله الذي أظهر الحق على لسان أحدهم).
وهذا كما يصوره البعض اليوم عن السلفيين كأنهم يسبحون بحمد السلطان قائمين وقاعدين.

التاسع عشر: كثرة انتقاد إخوانك السلفيين يتحول فيما بعد إلى اتهام السلفية نفسها.

العشرون: البعض قد يشتهر في نقد إخوانه ، أكثر من شهرته في نقده لأهل البدع.
وهذا قلب للمراد.

الحادي والعشرون: أحيانا يكون الموضوع مكررا ، والكلام فيه معروفا ، وقد أشبع بيانا وتوضيحا. 
فالفائدة من طرقه قليلة ، وربما ربت مفسدته على فائدته. 

الثاني والعشرون: النصح مطلوب وهو من المنهج السلفي ولله الحمد.
ولكن لا تفتح بنصحك جبهة تحارب منها إخوانك.
فتكون كمن وضع سلاحا في يد عدوه.

الثالث والعشرون: أرشفة أخطاء بعض السلفيين ، ومن ثم إظهارها وتصويرها بمناهج دخيلة مستقلة تجاوز في النقد والنصح.
وخاصة أن هذه الأخطاء لصيقة بأصول سلفية صحيحة يصعب على كثير من الناس التمييز بينها ، فالإقدام على ذلك بهذه الطريقة مجازفة.

الرابع والعشرون: التوقيت المناسب للنصح مهم.
فبعض الأخوة تجده لا يخرج بنصحه وتخطئته لإخوانه إلا إذا كانت الحرب قائمة على أشدها بين الحق والباطل.
فيخرج قدحه وطعنه في إخوانه في وقت حرج ، فيفت عضد إخوانه ، ويديل الباطل على الحق من حيث لا يشعر.
حتى قال بعضهم (كأن الأمر ممنهج).
 فكل مرة ينتصر فيها أهل الحق ، ويضعف فيها جانب أهل الباطل ، تجد من يخرج ويصرف الأنظار فينقل العراك من عراك سني بدعي = إلى عراك سني سني.!

ربي اصلح قلوبنا ونياتنا ، ووحد كلمة أهل الحق ، وارفع رايتهم ، وألف بين قلوبهم ، واحفظهم من مكر الشيطان ونفخه.

والله أعلم.

الخميس، 11 يونيو 2020

[حكم الذبح أمام المسجد]


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه.

فما حصل من ذبح عند المسجد الكبير  -أرى والله أعلم- أن فيه محاذير شرعية وهي كالتالي:
المحذور الأول : أنه تقرب لله (بذبح) في غير ما وردت به الشريعة.
وقد ذكر أهل العلم بأن التقرب لله بالذبح لا يكون إلا فيما شرعه الله .
وذلك للقاعدة المشهورة (الأصل في العبادات المنع).!
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". وقوله (أمرنا) أي في ديننا.
والذبح من الدين ، وما حصل لم يكن عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا سلف الأمة.

قال الشيخ ابن عثيمين في منظومته:
والأصلُ في الأشياءِ حِلٌّ وامْنَعِ *** عبادةً إلا بإذنِ الشارعِ
وقال رحمه الله: "فلو أن إنساناً تعبّد لله - تعالى - بعبادة لم يشرعها الله كانت العبادة باطلة، سواء كانت لم تشرع من أصلها، أو شرعت على وجه آخر، وأثبت هو لها سبباً غير ثابت شرعاً، فإنها مردودة عليه".

حتى لو كان الشيء في ظاهره خيرا أو نفعا ، إلا أن التمسك بالسنة هو الخير كله والنفع كله.
عن سعيد ابن المسيب أنه رأى رجلا يكرر الركوع بعد طلوع الفجر فنهاه سعيد عن ذلك، فقال: يا أبا محمد أيعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا ، ولكن يعذبك على خلاف السنة".!

وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتطوع بعد طلوع الفجر ولا عن الصحابة إلا سنة الفجر.
 ولما رأى ابن مسعود رضي الله عنه الذين يسبحون بالحصى في المسجد قال لهم: "والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو مفتتحوا باب ضلالة"؟! فقالوا ما أردنا إلا الخير.! فقال : "كم مريد للخير لم يبلغه".!

والذبائح المشروعة معلومة لديكم كالأضاحي والعقيقة وغيرها مما ورد فيها النص، وما عدا ذلك فلا يجوز كما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "هذا إذا حصل للإنسان نعمة فإنه يشرع له أن يسجد سجود الشكر ولا بأس أن يتصدق أو أن يعتق أو ما أشبه ذلك من أجل شكر الله تعالى على هذه النعمة وأما الذبح فقد سبق لنا أن التقرب إلى الله بالذبح لا يجوز إلا في وقته وهو والذي يتقرب به إلى الله من الذبح أربعة أنواع الذي يتقرب به يتقرب بالذبح فيه أربعة أنواع الأضاحي والهدي والفدية والعقيقة هذه يتقرب إلى الله تعالى بذبحها وأما ما عدا ذلك فلا ".
بل ذكر الشيخ رحمه الله أن التقرب لله بالذبح في غير هذه الأنواع ابتداع في الدين قال رحمه الله"إن ذبحها تقربا إلى الله بذبحها كان بدعة".
وقد ذهب لذلك الشيخ الاألباني -رحمه الله-: "تخصيص الشكر لله بهذه الذبيحة كما جرت العادة لا أصل لها".

المحذور الثاني: تخصيص المسجد الكبير بذلك.
ومعلوم أن تخصيص العبادة بمكان معين أو زمان معين لا يصح إلا بدليل.! وقد ذكروا في ذلك قاعدة (تقييد ما أطلقه الشارع بدعة).
 وقصد تخصيص المسجد بالذبح ظاهر من وجوه:
1-كلفة النقل لذلك المكان. 
2-كون المكان أمر معظم.
3-عدم ذبحها في المسلخ مع أنه أيسر وأسهل.
4-عدم التصدق بثمنها مع أنه أيسر عليهم وأنفع للفقراء.
5-إشهار ذلك وإعلانه.
وحتى لو تخلف القصد ، فالعمل إذا كان ظاهرا في القصد يُمنع ، وإن لم يكن ظاهرا فيه إلا أنه شُهِرَ فِعلُه بين الناس وانتشر فيمنع أيضا ، فكيف إذا اجتمع ذلك كله ((فهو ظاهر في القصد وشائع بين الناس)) .!
فمن عرف مذهب السلف وتعاملهم مع المحدثات لا يطمئن قلبه لذلك ، ولا يحسنها .!

ويزيد الأمر خطورة بأن التخصيص إذا زامن وقتا معظما أو مكانا معظما كان انتشار البدعة فيه أسرع وأقوى في قلوب العامة.
ولذلك كان أكثر ما تنتشرت فيه البدع عن طريق (المعظمات) (الأوقات ، الأماكن ، الشخصيات).!
 فاحذر وانتبه : فإذا رأيت (حَدثاً) في أمر معظَّم فإنه أولى بالمنع من غيره.

المحذور الثالث: أن ذلك وسيلة إلى الإحداث في الدين.
فما حصل قد يكون ذريعة مفضية إلى اعتقاد كثير من العوام بأن ذلك من الدين ، فربما صيروها بعدُ من الدين.
فتجد من اراد منهم أن يشكر الله لرفع بلاء عنه أو لحصول نعمة له ذهب بذبيحته أمام المسجد وأراق دمها ، فأصبحت سنة مسنونة.!
قال العلامة عبد اللطيف كما في الدرر: "أن سد الذرائع وقطع الوسائل، من أكبر أصول الدين وقواعده، وقد رتب العلماء على هذه القاعدة من الأحكام الدينية، تحليلا وتحريما، ما لا يحصى كثرة، ولا يخفى أهل العلم والخبرة".
وقال الأوزاعي :"اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم".

ولا استبعد أن توسع  هذه الدائرة حتى تدخل في كثير العبادات ، فإن النار من مستصغر الشرر ، فيلتبس على الناس أمر دينهم ، وحينها لو أنكرت عليهم ما قبلوا منك.

المحذور الرابع: إظهار وإشهار الذبح.
وهذا فيه تشبه بشعيرة الأضاحي ، ولا آمن أن تنقلب  مع مرور الزمن إلى نسك مكاني كما أن الأضحية منسك زماني.

المحذور الخامس: أن فيه تقحُّم لأمر مشتبه فيه مع وجود البديل .!
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". اذكر كلام بن عبد البر تتيقن حلال
وقد قال ابن عبد البر: (لا يحل لأحد أن يقدم على عمل حتى يعلم أنه جائز).
وكثير من هولاء يقدمون بلا دراسة للمسألة أو مباحثتها ، بل يقدمون بمجرد أن يكون العمل في ظاهره خيرا.!

المحذور السادس: ما قد يحف المسألة من أنَّ الذبح قد يكون لرفع بلاء أو تقربا للجن أو غير ذلك مما يُفعل عند نزول المصائب.
وإذا كان هذا واردا فإن المنع منه متحتم .
وقد منع بعض أئمة الدعوة من الذبح عند المريض وإن كانت نيته من أجل الصدقة لأن هناك من كان يفعل ذلك تقربا للجن ، فمنع من ذلك مطلقا سدا للذريعة.
قال العلامة سعد ابن عتيق: "فاعلم: أن من الناس من يذبح عند المريض لغير مقصد شركي، وإنما يقصد بالذبح التقرب إلى الله بالذبيحة والصدقة بلحمها، ولا يخفى أن قاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك تقتضي المنع من فعل ذلك والنهي عنه، لأن ذلك ذريعة لفعل الشرك، لما قد عرفت أن كثيرا من الناس يذبح عند المريض لقصد التقرب إلى الجن ولكن يخفي قصده خوفا من العقوبة، وبعضهم يبين قصده لإخوانه من شياطين الإنس".

فالزموا السنة فهي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ، فقد تم الدين وكمل .
قال ابن مسعود :" اتبعوا ولا تبدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة "

ونقول إن شريعتنا قد جعلت متسعا ونوعت في العبادات ، فاشكر الله (بما وردت به الشريعة ، ونوَّعَ فيه الشارع) ولا تحاصر نفسك بالبدع والمشتبهات فإنها بئس القرين .!
وقل كما قال الإمام مالك -رحمه الله- لرجل أراد أن يحرم قبل ذي الحليفة فقال له: "لا تفعل ، فإني أخشي عليك الفتنة ، فقال : وأي فتنة في هذه ؟ ! وإنما : هي أميال أزيدها ! قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! إنى سمعت الله يقول : (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))
اخواني في الآونة الأخيرة كثرت الدعوات وارتفعت الأصوات في تحسين أمر الطائفة الصوفية وارتكزت جهودهم على إدخال البدع في عبادات الناس ولا يخفاكم ما حصل  منهمفي هذا الوباء ، فانتبهوا لذلك فإن الوقاية خير من العلاج.

تنبيه: استشكل بعض الأخوة كالذبح للضيف ، أو الذبح للتصدق على الفقراء باللحم شكرا لله ، أو غير ذلك؟!
وليس في هذا إشكال ، فإن مثل هذا جائز بل فيه أجر وثواب لأن المقصود هو التصدق باللحم.
فهو داخل في عموم الصدقات والإحسان.
وإنما المسألة المطروحة والتي ذكر العلماء أنها لا تشرع إلا فيما وردت به النصوص -كالأضاحي والهدي والعقيقة- إنما هي فيمن تقرب إلى الله بإراقة الدم أصالة. 
وأما من ذبح يقصد بذلك توزيع اللحم فهذا جائز ولا إشكال فيه.
حتى قال الشيخ ابن عثيمين أن من نذر أن يذبح لله لذات الذبح فليس له أجر ، وهو بالخيار إن شاء وفى بنذره وإن شاء كفر كفارة يمين ، للقاعدة عند الشيخ أن النذر في الشيء المباح كفارته كفارة يمين ولا يلزمه.
قال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر ما وردت به النصوص من الذبح: "وما عدا ذلك فإنه لا قربة فيه في ذبحه أبدا حتى لو نذر إنسان أن يذبح شاة فإنه ليس له أجر الذبح لكن له أجر الصدقة بلحمها فهو كما لو اشتراها من السوق يعني كما لو اشترى لحما من السوق وتصدق به فالأشياء التي يتقرب بها إلى الله بالذبح هي ثلاثة".

حتى وليمة العرس ليس له أجر في ذات الذبح بل الأجر هو في اللحم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما وليمة النكاح فهي كغيرها يقصد بها الفائدة من أكلها فقط".!
وهذا التفصيل مهم ، وجميل ، وتنجلي به الإشكالات.

والعلماء إنما نصوا على ذلك ، لأن كثيرا من الناس يفعل ذلك تقربا بالذبح نفسه ، بل بعضهم ربما جعل نيته تقربا إلى الأولياء والجن والموتى وربما أخفى ذلك كما ذكر بعض أئمة الدعوة.
قال العلامة سعد ابن عتيق: "وقد حدثني من لا أتهم: أن من هذا الجنس من أتى إلى مريض زمن، وأشار بأن يذبح عنده ذبيحة، ثم لما تفرق الناس عنه، ولم يبق عنده إلا ذلك الرجل، الذي حدثني، أسر إليه وأشار: أن الذبيحة لغير الله; وبذلك يعلم: أن المتعين النهي عن الذبح عند المريض، وإن حسن قصد الفاعل، سدا لباب الشرك، وحسما للذرائع، والمواد التي تجر إليه".

والخلاصة:
1-أن مجرد التقرب لله بالذبح لا يكون إلا فيما وردت به النصوص وهو أربعة أشياء.
2-التقرب لله بالذبح في غير ما ورد به النص بدعة
3-تخصيص مكان معظم للذبح بدعة
4-سد الذرائع في باب الشرك والعبادات سنة مسنونة.
5-الحفاظ على عقائد الناس من البدع  واجب.

الاثنين، 1 يونيو 2020

[تعليق الجمعة لأجل الوباء]


             [تعليق الجمعة لأجل الوباء]

مناصحة القائمين على شؤون المساجد لإقامة الجمعة أمر مطلوب ، إن كانت المفسدة مندفعة ، فإن الأحكام لا تبنى على عاطفة.

إقامة الجمعة في المساجد من اختصاصات ولي الأمر ، ولا يصح تنازع الاختصاصات وتقاسمها.

وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على قاعدة (الاختصاص وأثرها في الأحكام) لما سئل عن الحُكَّام الظلمة قال(اسمعوا وأطيعوا فإنّما عليهم ما حُمّّلوا ، وعليكُم ما حُمّلتُم) رواه البخاري

فبهذا الحديث وغيره (فَقُه الصحابة والتابعون ترتيب الأولويات في بناء الأحكام الشرعية)
فالجهل بذلك ، مع استحكام العاطفة هو ما دفع كثيرا من هولاء للقيام بالحدود على عباد الله افتئات على اختصاصات الدولة. 

قال الحسن: "أربعة إلى السلطان الصلاة والزكاة والحدود والقصاص"
قال مسلم بن يسار عن رجل من الصحابة: " الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان".!
قال الطحاوي ولا نعلم له مخالفا من الصحابة.
وقال ابن محيريز: "الحدود والجمعة والفيء والزكاة إلى السلطان"

واختلفوا في أخذ الإذن من ولي الأمر لإقامتها ، ولم يختلفوا في صلاة الجماعة ، مع أن الجمعة آكد وجوبا من صلاة الجماعة بلا خلاف ، مما يبين لك فقه الأولين وجهل كثير من المتأخرين بمناطات الفقه ومعرفة الاختصاصات التي تبنى عليها المسائل الفقهية

هذا في أخذ الإذن ، أما إذا منع منها لمصلحة يراها ولو كان مخطئا فلا أحد يقول بوجوب إقامتها ، بل من أقامها مع قيام المنع فلا جمعة له.

وأقل شأنا من ذلك (الإمامة في الصلاة للجماعة) فلو كان الإمام مخلا بالصلاة -وهذا أمر محرم- لا يجوز لك الصلاة خلفه ، لكن إذا كان من قبل ولي الأمر فقد أوجب الشارع أن تصلي خلفه وعليه الإثم لا عليك ، ولم يرخص لك القيام بجماعة ثانية أو أن تتخلف عنها

قال النبي صلى الله عليه وسلم :"يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم" وورد بألفاظ متعددة تبين فساد صلاتهم حتى قال ابن المنذر ((هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه))

قال الحافظ:" قَوْله وَإن أخطؤا أَيِ ارْتَكَبُوا الْخَطِيئَةَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَطَأَ الْمُقَابِلَ لِلْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَا إِثْمَ فِيهِ" 

وأما الآثار في تضييع الأمراء للجمعة وإخراجها عن وقتها فأكثر من أن يُذكر وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح ولم نعلم أحدا نازعهم في ذلك -هذا وهم فعلوا ذلك ظلما وجورا- فكيف إذا كان باجتهاد وحب خير ومصلحة يراها؟!

حتى قال عَطَاءٍ: أَخَّرَ الْوَلِيدُ الْجُمُعَةَ حَتَّى أَمْسَى فَجِئْتُ فَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ أَجْلِسَ ثُمَّ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ وَأَنَا جَالِسٌ إِيمَاءً وَهُوَ يَخْطُبُ".

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن هولاء الأمراء الذين يخرجون الصلاة عن وقتها متعمدين "لَعَلَّكُمْ تُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَإِذَا أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوهَا سُبْحَةً" 



فلم يأمرهم بأقامة جماعة ثانية ، بل أمر بالصلاة معهم ، ولو سئل أحد هولاء المتفيهقة لقال تحرم الصلاة معهم لأن فيه إقرار منك لهم .!

فالمتقدمون يربطون الفقه بعلم دقيق مأخوذ من أصوله الصحيحة من الكتاب والسنة وآثار السلف مع حسن تعامل مع الأحداث ، والمتأخرون يربطون فقههم بالعاطفة والعقل..


وانظر لدفع الزكاة لولي الأمر فإن هذا من اختصاصه حتى ولو كان يجعلها في غير محلها ، فلا تنازعه في اختصاصه وتفتح لك جهة تجمع منها ذلك بحجة أن الحاكم ظالم في توزيعها حتى قال (( أحمد ابن حنبل)): " قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور، قال:ادفعها إليهم".

 وقال سهيل بن أبي صالح: أتيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: عندي مال، وأريد إخراج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى، قال: ادفعها إليهم ، فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد، رضي الله عنهم، فقالوا مثل ذلك".

واعلم أن بناء الأحكام على ثلاث قواعد مرتبة بحسب أعلاها 1-تحقيق المصالح ودفع المفاسد 2-اختصاصات كل جهة بما أنيط بها 3-الوجوب والحرام

فالبناء على المصالح فقط طريقة كثير من الزائغين حتى غيروا الدين، والبناء على الحرام والوجوب فقط طريقة من لم يتفقه على فقه السلف كابن حزم وغيره ،والجمع بين تلك القواعد الثلاث والترتيب بينها والموازنة طريقة فقهاء الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين.

قال شيخ الإسلام: "لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزيئات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات [فيتولد فساد عظيم".

الجمعة، 27 مارس 2020

مشروعية تذكير الصائم الناسي إذا أكل أو شرب

[[تذكير الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا]]


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا مزيدًا.


فصورة المسألة تنقسم إلى ثلاث صور:

الصورة الأولى:

من أراد أن يأكل أو يشرب، أو أكل وشرب، ونحن نعلم أنه ناسٍ.

اختلفت الناس في هذه المسألة على خمسة أقوال:

القول الأول: أنه يجب تذكيره.

وبنوا قولهم هذا على قاعدة (وجوب إنكار المنكر)، وهي قاعدة صحيحة بلا شك، وإنكار المنكر واجب، وقد وردت النصوص الكثيرة بوجوبه.
فتحرير المناط صحيح، لكن تحقيق المناط ليس صحيحًا! لأن أكل الناسي في رمضان ليس منكرًا ولا ذنبًا ولا معصية!

فاذا انتفى أن يكون ذنبًا ومعصية؛ انتفى أن يكون منكرًا ، فلا يصح حينها أن يقال: هذا من باب إنكار المنكر.

فإن قيل: نحن ننكر الصورة الظاهرة، وهي الأكل في رمضان، ومعلوم أن الأكل في رمضان منكر!

قلنا: المسألة مطروحة في شخص معين أمامك تعلم أنه ناسٍ، فليست المسألة صورة ذهنية حتى يُراد لها الحكم العام.

وذلك كمن قرأ القرآن وأخطأ في حرف أو آية، وأنت تعلم أنه مخطئ؛ فلا أحد يقول بوجوب تذكيره.
 كالإمام إذا أخطأ في القراءة، فلم يقل أحد بوجوب ذلك، إلا ما كان من شأن الفاتحة، وهذا له منزع آخر يختلف عن مسألتنا.
 فقالوا بوجوب ذلك في الفاتحة؛ لأنها ركن، والنقص فيها نقص مبطل للصلاة.

ومعلوم أن الصورة الظاهرة من النقص في القرآن وحذف بعض آياته منكر، لكن هذا من حيث الصورة المفترضة وبناء الأحكام عليها، وكلامنا ليس في الصور الظاهرة؛ وإنما هو متعلق بالأعيان.

فاتضح أن قاعدة (وجوب إنكار المنكر) لا تنطبق على مسألة الصائم الناسي.

نعم.. بعض أهل العلم ذكروا وجوب تذكير الناسي في بعض صور العبادات، لكنها ترجع إلى أمرين:

١- أن يكون النسيان مبطلًا للعبادة، كمن أراد أن يتوضأ بماء نجس، أو صلى وهو على غير طهارة.

٢-أن يكون فيه ضرر على المسلم.


القول الثاني: أن تذكير الصائم لا يشرع.

واستدلوا بدليلين:

١- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» .

والجواب على هذا أن يُقال:

لا دلالة فيه؛ لأن الحديث إنما يتكلم عمن أكل أو شرب، لا عمن أراد أن يأكل أو يشرب.

فأول الحديث «من أكل أو شرب» فهو زمن ماضٍ، وقع فيه الأكل والشرب وانتهى. فإذا حصل منه ذلك؛ فيصح أن تذكر له الحديث تطييبًا لنفسه.

ولذلك قال: «أطعمه الله وسقاه»، والذي لم يأكل بعدُ لم يطعمه الله ولم يسقه!

وكذا إن كان مستمرًا في أكله وشربه ؛ فإنَّ ما وقع في جوفه ينطبق عليه الحديث؛ لأنه يصح أن يُقال: «أكل أو شرب»، ويصح أن يقال في حقه: «أطعمه الله وسقاه»، وأما ما لم يدخل بعدُ في جوفه فلا يرد عليه الحديث، ولا يصح أن يقال في حقه: «أكل أو شرب»، ولا «أطعمه الله وسقاه» فيُشرع والحال هذه تذكيره.

٢- استدلوا بأثر ابن عمر -رضي الله عنهما- كما رواه ابن حزم في (المحلى) حين ذكَّره بعضهم بصيامه لما أراد أن يأكل فقال: «أراد الله أن يطعمني، فمنعتني!» .

والجواب على ذلك من وجوه:

أولًا: من حيث ثبوت أثر ابن عمر الذي ذكره ابن حزم من طريق وكيع عن شعبة، فهذا الأثر لا يصح، فقد حذف ابن حزم أول إسناده، فلا يمكن الحكم عليه.

ثانيًا: لعله كان من طريق أحد الضعفاء فحذفه ابن حزم ، خاصة وأنه غريب لا يُعرف قط إلا عند ابن حزم ، أو في الكتب المكذوبة كما في كتاب الربيع بن حبيب للإباضية .!
ولعل هذا السر في حذف ابن حزم لإسناده.!
والعادة أن ابن حزم ينسب ما يرويه إلى المخارج المعروفة كعبد الرزاق وابن أبي شيبة  وغيرهما ، فقوله هنا روينا عن وكيع، يتضح منه أن مستند ابن حزم ليس على أصحاب الكتب المشهورة .!

ثالثًا: ما تفرد به ابن حزم من الأقوال والروايات لا يُلتفت إليه ، حتى ما يُذكر من المتابعات أو التصريح بأسماء الرواة فينبغي التريث، وعدم الاعتماد عليه من أول نظرة، ففيه وهم كثير إذا كان هو المتفرد به.

وانظر إلى حديث «إذا بلغت الحائض»، فقد رواه ابن حزم بسنده عن (حماد بن زيد) عن (قتادة)، فذكره بعض أهل العلم متابعة (لحماد ابن سلمة)؛ لأن الحديث مشهور عن (حماد بن سلمة)، والحقيقة أن ما في (المحلى) مُصَحَّف، فقد نسبه بعض الرواة فقال: (حماد بن زيد). وإنما هو في الحقيقة (حماد بن سلمة)، وقد ثبت عن (حماد بن زيد) أنه قال: ذهبت لآخذ عن (قتادة)، فإذا هو قد مات.

فالحقيقة أن ما يتفرد به (ابن حزم) لا يُعتمد عليه، خاصة وأنه من الطبقات المتأخرة جدًّا.

رابعًا: ومما يدل على نكارته أن فيه لفظة (منكرة)، وهي قوله «أراد الله أن يطعمني، فمنعتني»، فإرادة الله نافذة ولا يمنعها شيء!
وفي هذا الموضوع "طرفة" يذكرها أهل السنة:

«روى عمر بن الهيثم قال: خرجنا في سفينة، وصحبنا فيها قدري ومجوسي، فقال القدري للمجوسي: أسْلِم.!
فقال المجوسي: حتى يريد الله.! قال القدري: إن الله يريد، ولكن الشيطان لا يريد ! قال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان ! هذا شيطان قوي ! !وفي رواية أنه قال: فأنا مع أقواهما» [شرح الطحاوية لابن أبي العز].

وهذه ثانية أيضًا يذكرها أهل السنة:

«وقف أعرابي على حلقة فيها عمرو بن عبيد، فقال: يا هؤلاء؛ إن ناقتي سرقت، فادعوا الله أن يردها علي. فقال عمرو بن عبيد: اللهم إنك لم ترد أن تُسرق ناقته فسرقت، فارددها عليه! فقال الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك! قال: ولم؟ قال: أخاف كما أراد أن لا تسرق فسرقت؛ أن يريد ردها فلا ترد!!» .

خامسًا: معارضته (لآثار الصحابة) في تذكير الناسي لصيامه، كما سوف أذكره في القول بمشروعية التذكير.


القول الثالث: مشروعية تذكير الناسي لصيامه.

واستدلوا بأدلة:

أولًا: القاعدة الكلية المعروفة، وهي قول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}.

ولا شك أن التعاون على تحقيق الصيام من البر والتقوى، وتحقيق الصيام إنما هو في الإمساك عن الطعام والشراب، فيكون التذكير  بالإمساك من التعاون على البر والتقوى.

فهذا على أقل الأحوال يدل على مشروعية التذكير.

إذن؛ فقاعدتنا التي ننطلق منها هي: (التعاون على البر والتقوى) ، وتذكير المسلم بما حصل في عبادته من خلل هو من التعاون على البر والتقوى، حتى لو كان ناسيًا.

وما زال الناس يعدون التذكير للناسي من محاسن الأمور.

 وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن الصلاة  من نابه شيء في صلاته: «فليسبح الرجال وليصفق النساء»، مع أنه ناسٍ، وليس عليه ذنب ولا إثم.

ثانيًا: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا نسيت فذكروني»، هذا وإن كان سببه في الصلاة؛ إلا أن باقي العبادات تُلحق بها، فـ (العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب).

فيكون المشروع هو تذكير الناسي إذا حصل منه خلل في عباداته بسبب النسيان أو الجهل.

والإمام إذا نسي آية أو حرفًا فإنهم يستحبون تذكيره.

وكذا الناسي ليمينه يُذَكَّر، وإن كان الناسي ليمينه ليس عليه شيء.

وقد ذَكَّر الصحابة النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لما أقسم أنه لا يحملهم ثم حملهم، فذكَّروه يمينه، فقال: «الله حملكم» رواه البخاري.

وكذا عائشة ذكَّرت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمينه لما أقسم أن يعتزلهم شهرًا، فدخل عليهم بعد تسعة وعشرين يومًا، فقال: الشهر تسعة وعشرون» رواه البخاري.

وكل هذا تنتظمه القاعدة الكلية وهي: (التعاون على البر والتقوى).

ثالثًا: الذي ثبت هو مشروعية التذكير.

فقد جاء عن عبدالله بن شقيق أنه ذكَّر أبا ذر لما أكل وهو صائم قال "فحركته بيدي اذكره". رواه البيهقي وسنده صحيح. وهذا إقرار من أبي ذر له.

وكذا ورد عن أنس، فقد ذكّر أبا طلحة لما كان يأكل البرد، فقال له: «ألست صائمً؟!». وهو أثر صحيح مشهور.

فهولاء ثلاثة من الصحابة وتابعي، وموافق للأصول والقواعد العامة والمقاصد الشرعية الصحيحة، وليس مع من منع دليل ولا أثر ولا قاعدة سليمة ولا مقصد شرعي!

رابعًا: لا يُعلم في الشرع مثال واحد في عدم تذكير المسلم إذا حصل منه خلل في عبادته، بل العكس صحيح كما مرّ معنا، إلا مسألة (تذكير العاطس بحمد الله).

والجواب عليها:

أولًا: هذه المسألة تختلف عن مسألتنا فليس هناك خلل حصل في عبادة؛ وإنما هو ترك لمستحب والفرق بين البابين واضح.

ثانيًا: جماهير أهل العلم على استحباب تذكيره، وفعله (النخعي وابن المبارك وأحمد) وغيرهم.
ولا يعرف عن أحد من المتقدمين أنه كرهه ، وإنما ظهر هذا القول عند المتأخرين.

ثالثًا: الذي ذهب إلى عدم تذكيره إنما ذهب إليه لورود نص خاص في المسألة، وهي أن رجلًا عطس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يحمد الله، فلم يشمته النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكره النبي -صلى الله عليه وسلم-.

رابعًا: هذا من باب التعزير، كما ذكره (ابن القيم) ، فهو خارج عن موضوع مسألتنا!

قال (ابن القيم) -رحمه الله-: «لم يشَمت الذي عطس ولم يحمد الله، ولم يذكره، وهذا تعزير له، وحرمان لبركة الدعاء، لما حرم نفسه بركه الحمد، فنسي الله تعالى، فصرف قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته والدعاء له، ولو كان تذكيره سنة؛ لكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بفعلها وتعليمها، والإعانة عليها والله أعلم».

فهذا القول حقيقة -القائل بعدم التذكير- ليس له ما يُسنده أو يدعمه، فهو يتيم في بابه، مما يدل على ضعفه وشذوذه!

القول الرابع: التفريق بين الجاهل والناسي فيلزم التذكير في الجاهل ولا يلزم في الناسي.
أي أنه يشرع التذكير للناسي لكن لا يجب ، وهذا يعود إلى القول الذي ترجح لدي . وهذا التفريق وجه عند الحنابلة .
واما مسألة الجاهل فليست هي مسألتنا.

القول الخامس: التفريق بين الشيخ الكبير الضعيف فيُشرع عدم تذكيره حتى يكون عونا له على إتمام صومه ، وأما الشاب القوي فيُشرع تذكيره وهو قول الحنفية ورجحه ابن دقيق العيد.
وهذا القول قوي أيضا لأن القواعد العامة والمقاصد الشرعية الصحية تؤيده وتوافقه ولا تخالفه.
لأن من قال أنه يُشرع تذكيره إنما قال ذلك من باب إتمام صومه والمحافظة عليه ، وهذا القول -القائل بعدم تذكير الشيخ الكبير- يتوافق تماما العلة التي ذكروها.
فهذان القولان في الحقيقة يعتبران قولا واحدا ، إلا أنه جُعِل قولا مستقلا من باب التفصيل.

الصورة الثانية:

من أكل أو شرب ونحن نعلم أنه متعمد، فالحكم في هذه الصورة واضح وهو وجوب الإنكار عليه.


الصورة الثالثة:

من فعل ذلك ولا نعلم هل هو ناسٍ أو متعمد، أيضًا يجب الإنكار عليه؛ لأن الأصل في الأفعال العمدية.


وخلاصة المسألة:

١- أنها تنقسم إلى ثلاث صور، صورتان يجب الإنكار فيهما، وهي إذا علمنا أنه متعمد، أو جهلنا ذلك، وصورة يُشرع التذكير فيها وهي إذا علمنا أنه ناسٍ وكان شابا قويا ، وصورة لا يشرع تذكيره وهي إذا كان شيخا كبيرا يُخاف عليه أن لا يتم صومه..

٢- القول بعدم مشروعية تذكير الصائم الناسي قول شاذ، ليس عليه منارة من علم ولا هدى، ولا يجري على أصول الشريعة الغراء.


والله أعلم.

الجمعة، 12 يوليو 2019

[ساعة الجمعة المباركة يُستجاب فيها الدعاء]




قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً ، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ ، قَائِمٌ يُصَلِّي ، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) ، وأشار بيده يُقلِّلها رواه البخاري ومسلم.

قال الحافظ ابن حجر: وروى "سعيد بن منصور" بإسنادٍ صحيحٍ إلى "أبي سلمة بن عبد الرحمن" أنَّ ناسًا مِن الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ، ثم افترقوا ، فلم يختلفوا أنها آخر ساعة مِن يوم الجمعة ؛ ورجَّحه كثيرٌ مِن الأئمةِ أيضًا))


[حال السلف بعد عصر الجمعة]

1-طاوس بن كيسان: «أنه كان يتحرى الساعة التي يستجاب فيها الدعاء من يوم الجمعة بعد العصر». قال ابن طاوس: ومات أبي في ساعة كان يحبها، مات يوم الجمعةبعد العصر
((مصنف عبد الرزاق ((261/3))

وقال سليمان التيمي: 
2-كان طاوس إذا صلى العصر يوم الجمعة، استقبل القبلة ولم يكلم أحدا حتى تغرب الشمس" ((تاريخ واسط)) ((ص186))

3-سعيد بن جبير: وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحدا حتى تغرب الشمس" ((زاد المعاد)) ((382/1))

4-المفضل بن فضالة: قال الحارث بن مسكين: رأيت المفضل بن فضالة إذا صلى الجمعة جلس إلى صلاة العصر في المسجد فإذا صلى العصر خلا في ناحية المسجد وحده فلا يزال يدعو حتى تغرب الشمس" ((أخبار القضاة)) ((238/3))

5-جاء في طبقات الحنابلة: وكان السلف يدعون من العصر إلى المغرب" ((طبقات الحنابلة)) ((372/1))


6-عن الإمامِ الحافظِ "زكريا بن عَدِيٍّ" - رحمه الله تعالى - أنه قال : ( كان "الصَّلْتُ بن بِسْطامٍ التميميِّ" يجلسُ في حلْقةِ "أبي خَبَّاب" يدعو مِن بعد العصر يوم الجمعة ، قال : فجلسوا يومًا يدعون ، وقد نزل الماءُ في عينيه فذهب بصرُه ، فدَعَوْا وذكروا بصرَه في دعائهم ، فلمَّا كان قُبَيل "غروب" الشمس عطسَ عطسةً فإذا هو يبصر بعينيه ! ، وإذا قد رَدَّ اللهُ عليه بصرَه ! ؛ قال زكريا : فقال لي ابنه : قال لي "حفص بن غِيَاث" : أنا رأيتُ الناسَ عَشِيَّةً إذْ يخرجون مِن المسجد مع أبيك يهنِّؤونه".

7-قال أحمد أكره الحديث في الساعة التي يرجى فيها قبول الدعوة إنها بعد صلاة العصر