الجمعة، 25 أغسطس 2017

[صيام عشر من ذي الحجة]

صيام عشر من ذي الحجة،،،

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم تسليما مزيدا..


اغتنم اخي هذه العشر بكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال الصالحة ، فربما تكون هذه العشر هي اخر عشر تدركها ، وقد كان السلف الصالح يجتهدون فيها غاية.! حتى كان بعضهم ربما اخر قضاء صيام رمضان الى هذه العشر كل هذا طلبا وزيادة ومبالغة في الاجتهاد في هذه العشر.!


والاعمال الصالحة كثيرة وسوف تكون عبادتنا المراد بحثها وذكر ما ورد فيها من احاديث واثار هي "صيام هذه العشر".


ويدل على مشروعية صيام هذه العشر والحث عليها اوجه نوجزها فيما يلي:


الوجه الأول الاحاديث الواردة في ذلك:


الحديث الاول:

حديث ابن عباس المرفوع "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام, ـ يعنى أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه, ثم لم يرجع من ذلك بشيء".(رواه البخاري)


فقوله "العمل الصالحعام لانه مفرد معرف ب"ال" وهذه من صيغ العموم كما قال صاحب المراقي (وما بال معرفا قد وجدا) ، فيشمل كل عمل صالح والصيام من اعظم الاعمال واجلها.


الحديث الثاني

عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام

من كل شهر: أول اثنين من الشهر، والخميسين ".

قال الالباني(اسناده صحيح)

(صحيح ابي داود الام ١٩٦/٧).


الوجه الثاني: "الآثار عن الصحابة"


الاثر الأول: ما رواه عبد الرزاق عن الثوري، عن الأسود بن قيس، «أن عمر كان يستحب أن يقضى رمضان في العشر».(المصنف٢٥٦/٤). 

[وهذا اسناد صحيح] والراجح بذكر ابيه(الاسود عن ابيه).

ورواه ابو عبيد القاسم بن سلام عن ابن مهدي عن الثوري عن الاسود عن ابيه عنه ، وزاد فيه "وما من ايام اقضي فيها رمضان أحب الى منها".!(مسند الفاروق ٢٨١/١). وهو صحيح ايضا . وهذا كلام من امير المؤمنين يدل على استحباب صومها جدا .!

حتى انه كان يؤخر قضاء رمضان الى عشر ذي الحجة ، فليس بعد ذلك افضلية .! 


الاثر الثاني: ما جاء عن ابي هريرة كما عند عبد الرزاق :عن الثوري، عن عثمان بن موهب قال: سمعت أبا هريرة وسأله رجل قال: إن علي أياما من رمضان، أفأصوم العشر تطوعا؟ قال: «لا، ولم؟ ابدأ بحق الله، ثم تطوع بعدما شئت». وهذا يدل ع شيوع ذلك الامر في عهد الصحابة والتابعين وان الناس كانوا يسألون عن تقديم تطوع العشر بالصيام على قضاء رمضان.! وما ذلك الا لاشتهار فضل صيام العشر ، فمنهم من كان يقضي العشر في رمضان ومنهم من كان يقدم تطوع العشر على قضاء رمضان ومنهم من كان يكره قضاء رمضان في العشر وما ذاك الا لكي تكون العشر خالصة لصيام التطوع كما سيمر معنا ان اشاء الله.


الوجه الثالث: ما شاع في عهد الصحابة والتابعين من تاخير قضاء رمضان الى العشر كما فعله عمر بن الخطاب وغيره ، حتى قال الكاساني في البدائع(١٠٨/٢) "وهو مذهب عمر وعامة الصحابة - رضي الله عنهم - إلا شيئا حكي عن علي".!(قلت): [ الذي عن علي ضعيف جدا فيه الحارث الاعور] ، ومع هذا يقال ان ما ورد عن علي قد تأوله العلماء بتأويلين:

التاويل الاول: إنما اراد-علي- ان تكون العشر خالصة للتطوع لا الفرض-كما ذكره اسحاق وابن رجب ، وهذا غاية في استحباب صومها.!


قال ابن رجب في "لطائف المعارف"(ص٢٦٦): " وقد عُلِل قول علي بن ابي طالب: بأن القضاء فيه يفوت به فضل صيامه تطوعا وبهذا علله الإمام أحمد وغيره".! 

ولما سئل اسحاق بن راهويه كما في "مسائل الكوسج "( ١٢٤٥/٣) ، لماذا كرهوا قضاء رمضان في العشر؟ قال:

"أراد أن يصومه تطوعا، لما يستحب العمل فيه، وهذه رخصة، لأنه حرضه على التطوع ويؤخر قضاء الفرض".

فهذا اسحاق يميل الى انه يصومها تطوعا ويؤخر القضاء.! وهذا التأويل ذهب اليه وكيع ايضا كما سيأتي في مناقشة حصلت بينه وبين سفيان بن عيينة ويحيى بن ادم..


التأويل الثاني: وبعضهم - كابي عبيد القاسم بن سلام -كما في [ "غريب الحديث" (٣٩٨/٣) ] حمل قول علي في كراهة قضاء رمضان في العشر بان ذلك ربما يؤدي الى تفرقة ايام القضاء لانه ربما حال يوم العيد بينه وبين بقية قضائه ،  وعلي(رضي الله عنه) يكره تفرقة قضاء رمضان ، وهو قول سفيان بن عيينة ويحيى بن ادم ، فقد جاء في [ كنز العمال ، (٥٩٧/٨):

"أخبرني من حضر سفيان بن عيينة وعنده وكيع بن الجراح ويحيى بن آدم فقال ابن عيينة لوكيع: يا أبا سفيان لم كره علي بن أبي طالب قضاء رمضان في ذي الحجة؟ فقال له وكيع: لأنها أيام عظام، فأراد علي أن ينفرد بصيامها، قال: ابن عيينة ليحيى بن آدم: كذا تقول يا أبا زكريا؟ قال: لا قال: فما تقول؟ قال: ألست تعلم أن علي بن أبي طالب كان يقول يقضى رمضان تباعا؟ قال: بلى فكره علي بن أبي طالب أن يقضى رمضان في ذي الحجة لئلا يمر فيه يوم النحر فلا يحل فيه صيام فأعجب به ابن عيينة".

ومع اختلافهم في قضاء رمضان فيها.! الا ان كل واحد منهم انما اراد الافضل في صومها هل يكون ذلك بقضاء رمضان فيها ام يجعلها خالصة للتطوع؟! فهم في الحقيقة متفقون على فضل صيامها الا انهم اختلفوا "اي الصيام يكون افضل في العشر"؟ هل القضاء ام التطوع؟  


وخطر لي تاويل ثالث غير ما ذكره ابن رجب وابي عبيد -الا وهو-: ان علي انما كره ان يؤخر قضاء رمضان من غير عذر الى ذلك الوقت فان المسارعة في القضاء مرغب فيها باتفاق.

حتى تكاثرت اقول التابعين [ (ينظر مصنف عبد الرزاق (٢٥٥/٤) ]  في كراهة صيام قضاء رمضان في العشر كما جاء عن الزهري والحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم وذلك لثلاثة امور : الاول: لان ذلك سوف يؤدي الى  تاخير قضاء رمضان لغير عذر.

الثاني:انه يفوت افراد العشر بالتطوع كما مر معنا من قول اسحاق وابن رجب 

الثالث:انه ربما ادى لتفرقة ايام القضاء وعدم موالاتها كما تأوله ابو عبيد القاسم.


حتى كان بعضهم يريد ان يقدم تطوعها بالصيام على قضاء رمضان.! فكان عطاء يقول لاحدهم "صم العشر واجعلها قضاء"(مصنف عبد الرزاق(٢٥٧/٤).

وكان سعيد بن المسيب يقول في صوم العشر: «لا يصلح حتى يبدأ برمضان».!ذكره البخاري معلقا مجزوما به (٣٥/٣)

فصيامها امر مشهور معروف عند السلف حتى اداهم ذلك الى ان يؤخر الرجل قضاء رمضان حتى يوقعه في العشر.!  


الوجه الرابع: الاثار عن التابعين:

تواتر النقل عن التابعين في صومها فقد جاء عن ابن سيرين "انه كان يصومها" وكذا مجاهد ، "وكان عطاء يتكلفها" وسعيد بن جبير والنخعي .

ينظر (مصنف ابن ابي شيبة (٣٠٠/٢) ، ومصنف عبد الرزاق(٢٥٥/٤).

بل جاء عن الحسن "ان صيام يوم يعدل شهرين ".! رواه "عبد الرزاق في المصنف"(٣٧٨/٤) ، بسند حسن.

وهذا في حكم المرسل لان قول التابعي مما لا مجال للاجتهاد فيه في حكم المرفوع ، وقد ذكر ذلك ابن العربي وذكر انه مذهب مالك. [(فتح المغيث (١٦٦/١) ] وحققه السيوطي في فتاواه فليراجع.

ومراسيل الحسن قد اختلف فيها العلماء كما قال ابن عبد البر في "التمهيد"(٥٧/١): "اختلف الناس في مراسيل الحسن فقبلها قوم وأباها آخرون".!  وفي الفروع نقل نفيس لابن مفلح عن ابن المديني وبن معين واحمد في تصحيح مرسلاته اذا رواها عنه الثقات(٢٣١/٤)


الوجه الخامس: تبويبات العلماء:

فقد بوب العلماء في كتبهم "باب صيام العشر" فعله ابو داود والنسائي وابن ماحة وغيرهم.



اقوال العلماء: اتفق العلماء من كل المذاهب على مشروعية صيامها واستحباب ذلك ، ويظهر لك ذلك بالنظر في المذاهب الفقهية الأربعة [ الحنفية(بدائع الصنائع، ١٠٨/٢) والمالكية، (شرح مختصر خليل للخرشي ١٦/٣)، والشافعية، شرح المجموع(٣٨٧/٦) ، والحنابلة، المغني(١٧٩/٣)

وكذا في المحلى لابن حزم(١٩/٧)

وقال النووي"مستحبة استحبابا شديدا".(شرح مسلم ٣٢٠/٨)


ولم اجد من كره صومها لحديث عائشة بانها "لم تر النبي يصومها" رواه مسلم. وسنذكر تاويل العلماء له.


تاويل العلماء لحديث عائشة:

اولا: نقل النووي شبه ما يكون اتفاق ان الحديث ليس على ظاهره فقد قال: "قال العلماء هو متأول".[ المجموع (٣٨٧/٦) ].


ثانيا: اجوبة العلماء على حديث عائشة:

الجواب الأول: اجاب احمد عنه  "بأنه قد روى خلافه وذكر حديث حفصة وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة".! "لطائف المعارف"(ص٢٦٢)


الجواب الثاني:  "وأجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملا يعني وحفصة أرادت انه كان يصوم غالبه فينبغي أن يصام بعضه ويفطر بعضه".!(المرجع السابق)


الجواب الثالث: قال "النووي": ان ذلك كان لعارض مرض او سفر او غيرهما ، كما في 

[ (المجموع (٣٨٧/٦) ].


الجواب الرابع: "أنها لم تره صائما فيه ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر"(المرجع السابق)


الجواب الخامس: ذكره الحافظ في الفتح (٤٦٠/٢): "احتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته كما رواه الصحيحان".!


الجواب السادس: ذكره الاثرم في الناسخ والمنسوخ(ص١٨٠): "يكون ذلك على أنها لم تره هي، ورآه غيرها، وذلك أنه إنما كان يكون عندها في الأيام يوما".


الجواب السابع: " وقد يكون ذلك على أن يكون لم يصم العشر على أنه ليس بواجب ومن صامه فله فضل". (المرجع السابق)


الجواب الثامن: ذكره الطحاوي في مشكل الاثار(٤١٨/٧): احتمال "أنه كان إذا صام ضعف عن أن يعمل فيها ما هو أعظم منزلة من الصوم , وأفضل منه من الصلاة , ومن ذكر الله عز وجل , وقراءة القرآن كما قد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه".

وذكر ان ابن مسعود لم يكن يصوم لان ذلك يضعفه عن الصلاة ، وكان يقول-رضي الله عنه-: "إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة والصلاة أحب إلي من الصوم ".!


الجواب التاسع: ذكره البيهقي في سننه الكبرى(٤٧١/٤): " ان المثبت أولى من النافي".! يقصد بالمثبت الذي ورد عن بعض ازواج النبي انه كان يصوم العشر وقر مر معنا سابقا. وانظر زاد المعاد(٦٣/٢).


الجواب العاشر: ذكره ابن عثيمين في مجموع الفتاوى (٤٤/٢٠): "هذا إخبار من عائشة رضي الله عنها عما علمت، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم على شيء لم يعلمه الراوي".

 

كتبه/حسن صنيدح


من كان عنده افادة  فجزاه الله خيرا