الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

[ عمل السلف والخلف بالتكبير المطلق في عشر ذي الحجة ] مناقشة،،،

[ عمل السلف والخلف بالتكبير المطلق في عشر ذي الحجة ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد.
فهذه مدارسة لبعض الإشكالات الواردة على شعيرة التكبير المطلق في العشر ، وتَصْحِيْحٌ لنسبة عمل السلف لهذه الشعيرة ، فإني قد اطلعت على كلام لأحد المشايخ الفضلاء -حفظه الله ووقاه من كل سوء- ، فأحببت أن أناقش بعض ما ساقه من أدلة ، وكذا ما أورده من إشكالات.

نقول وبالله نستعين:
أولا:  قول الشيخ: [ هذا التفسير(أي أن الأيام المعلومات هي العشر).....ضعفه جمع من المحققين.. ]
يُجاب عليه: بأن هذا قد صح عن ابن عباس بإسناد صحيح ، وهو القول المشهور ، رواه البيهقي عن ابن عباس: "من طريق: عفان بن مسلم , عن هشيم , ثنا أبو بشر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال: " الأيام المعلومات أيام العشر , والمعدودات أيام التشريق "(السنن الكبرى ٣٧٣/٥)
وقد ذكر الشيخ تصحيح النووي له ، وصححه الحافظ ابن حجر كما في: ((تلخيص الحبير)) ونقل تصحيحه أيضا عن ابن السكن(((٦٠٨/٢))
واخرجه البخاري معلقا مجزوما به ، وهذا يدل على صحته عنده إلى من أضيف إليه كما ذكره شيخ الإسلام وابن حجر والنووي والشنقيطي ، بل جعله ابن تيمية على شرطه: "وعرفه في الأحاديث المعلقة إذا قال: قال فلان كذا، فهو من الصحيح المشروط"((الفتاوى الكبرى ،(٣٨/٦))
وهشيم قد صرح بالتحديث ، وعنعنته في بعض الطرق الأخرى لا تضر لما يأتي:
١-أنه قد صرح بالتحديث كما هنا وكما عند البيهقي((شعب الايمان (٣١٨/٥))
٢-أنه قد رواه عنه يحيى بن سعيد كما عند ابن عبد البر في الاستذكار ((٢٤٤/٥)).
ويحيى لا يحمل عن شيوخه ما دلسوا فيه كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح: "والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين إلا ما كان مسموعا لهم صرح بذلك الإسماعيلي"((٣٠٩/١))
٣-رواه شعبة عن هشيم ((تغليق التعليق ، (ص٣٧٧)).
وشعبة لا يحدث عن المدلس إلا ما صرح فيه بالسماع ، قال الحافظ: "وشعبة لا يحدث عن شيوخه الذين ربما دلسوا إلا بما تحقق أنهم سمعوه"((فتح الباري، (١٩٤/٤))

وله طريق آخر صحيح أيضا ، فقد قال الحافظ في ((تغليق التعليق)): "أما تفسير ابن عباس فقال عبد بن حميد في تفسيره حدثنا قبيصة عن سفيان عن ابن جريج عن عمرو بن دينار سمعت ابن عباس يقول ((اذكروا الله في أيام معدودات الله أكبر)) ((اذكروا الله في أيام معلومات)) الله أكبر قال الأيام المعدودات أيام التشريق والأيامالمعلومات أيام العشر"(تغليق التعليق، ((٣٧٧)).

هل خالف ابن عباس أحد من الصحابة في هذا التفسير؟
الجواب: لم يخالف أحد من الصحابة ، إلا ما جاء عن ابن عمر ولكن في صحة هذه الرواية عن ابن عمر نظر وذلك من ناحيتين:
١- إسناد الرواية متكلم فيه.
فالرواية من طريق ابن عجلان، حدثني نافع؛ أن ابن عمر كان يقول: الأيام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام، فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده، والأيام المعدودات ثلاثة أيام يوم النحر" وصحح اسناده ابن كثير في تفسيره
(( ٤١٦/٥))
وتصحيح مثل هذا السند فيه نظر ، لأن ابن عجلان متكلم فيه ، لذلك صدَّر الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب الحكم عليه  ب"صدوق" قال : "محمد ابن عجلان المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة "(٤٩٦/١). 
مع أن أحمد وابن معين وغيرهم قد وثقوه ، ولكن تكلم فيه غيرهم ، وخاصة في روايته عن نافع كما هو الحال في روايتنا هذه.
قال ابن رجب في شرحه على علل الترمذي: "وروى أبو بكر بن خلاد، عن يحيى بن سعيد، قال: كان ابن عجلان مضطرب الحديث في حديث نافع، ولم يكن له تلك القيمة عنده ((٤١١/١))
"وقال العقيلي يضطرب في حديث نافع"((تهذيب التهذيب ٣٤٢/٩))
فهذا قد يوهنُ الرواية ، وخاصة إذا ضُم إلى ذلك تفرد ابن عجلان المُتكلم في روايته عن نافع دون أصحاب نافع الكبار كمالك وايوب وعبيد الله وغيرهم .
٢-أن ابن عجلان قد خالفه ابن أبي ليلى فرواه عن نافع بذكر الأيام المعدودات فقط ، وفسرها بأيام التشريق ولم يتعرض للأيام المعلومات"((المحلى ، ٣١٩/٥))
قال ابن حزم: "ما نعلم له حجة إلا تعلقه بابن عمر، وقد روينا عن ابن عمر خلاف هذا" ((المحلى ٣٢٠/٥)) فذكر رواية ابن أبي ليلى.
وابن أبي ليلى على جلالته وفقه إلا أن فيه ضعف في الرواية ، وربما قاربت رواية ابن عجلان في نافع رواية ابن أبي ليلى ، إلا أن الأصل هو الاستدلال برواية ابن عجلان عن نافع إلا أن يكون هناك ما يُستنكر في روايته ، وهنا تعاضدت أمور تدل على نكارتها ، وهي:
١-طعن بعض الأئمة في روايته عن نافع
٢-تفرده عن أصحاب نافع الكبار في هذه الرواية.
٣-مخالفة ابن أبي ليلى له.

ثانيا: قول الشبخ: [ والمراد بقوله تعالى{ويذكروا اسم الله} ...عند التذكية....].
الشيخ يذكر ما ذكره بعض العلماء من إشكال ، وسوف أنقل كلام الشنقيطي -وهو ممن يُضعِّفُ تفسير الأيام المعلومات بعشر ذي الحجة- لتوضيح الإشكال الوارد على تفسير الأيام المعلومات بعشر ذي الحجة ، وثم أُورِد كلا ابن رجب لدفع هذا الإشكال.
يقول الشنقيطي: "تفسير الأيام المعلومات في آية الحج هذه: بأنها العشر الأول من ذي الحجة إلى آخر يوم النحر، لا شك في عدم صحته، وإن قال به من أجلاء العلماء، وبعض أجلاء الصحابة من ذكرنا.
والدليل الواضح على بطلانه أن الله بين أنها أيام النحر بقوله: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، وهو ذكره بالتسمية عليها عند ذبحها تقربا إليه كما لا يخفى، والقول بأنها العشرة المذكورة، يقتضي أن تكون العشرة كلها أيام نحر، وأنه لا نحر بعدها، وكلا الأمرين باطل كما ترى ; لأن النحر في التسعة التي قبل يوم النحر لا يجوز والنحر في اليومين بعده جائز. وكذلك الثالث عند من ذكرنا، فبطلان هذا القول واضح كما ترى"((أضواء البيان ، (١١٧/٥)).

يقول ابن رجب دافعا هذا الإشكال: "والقول الأول أصح، فإن الله سبحانه وتعالى قال بعد ذكره في هذه الأيام
المعلومات: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق (٢٩) . والتفث: هو ما يصيب الحاج من الشعث والغبار ، وقضاؤه: إكماله.
وذلك يحصل يوم النحر بالتحلل فيه من الإحرام، فقد جعل ذلك بعد ذكر في الأيام المعلومات، فدل على أن الأيام المعلومات قبل يوم النحر الذي يقضى فيه التفث ويطوف فيه بالبيت العتيق.
فلو كانت الأيام المعلومات أيام الذبح لكان الذكر فيها بعد قخحاء التفث ووفاء النذور والتطوف البيت العتيق، والقرآن يدل على أن الذكر فيها قبل ذلك.
وأما قوله تعالى: (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) .
فإما أن يقال: إن ذكره على الذبائح يحصل في يوم النحر، وهو أفضل أوقات الذبح، وهو آخر العشر.
وإما أن يقال: إن ذكره على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، ليس هو ذكره على الذبائح، بل ذكره في أيام العشر كلها، شكرا على نعمة رزقه لنا من بهيمة الأنعام، فإن لله تعالى علينا فيها نعما كثيرة دنيوية ودينية ، وقد عدد بعض الدنيوية في سورة النحل، وتختص عشر ذي الحجة منها بحمل أثقال الحاج، وإيصالهم إلى قضاء مناسكهم والانتفاع بركوبها ودرها ونسلها وأصوافها وأشعارها.
وأما الدينية فكثيرة، مثل: إيجاب الهدي وإشعاره وتقليده، وغالبا يكون ذلك في أيام العشر أو بعضها، وذبحه في آخر العشر، والتقرب به إلى الله ، والأكل من لحمه، وإطعام القانع والمعتر. فلذلك شرع ذكر الله في أيام العشر شكرا على هذه النعم كلها، كما صرح به في قوله تعالى: (كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم) ، كما أمر بالتكبير عند قضاء صيام رمضان، وإكمال العدة، شكرا على ما هدانا إليه من الصيام"((فتح الباري،  ٥/٩))
وقال في موطن آخر: "وأيضا فقد قال الله تعالى بعد هذا: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق"
فجعل هذا كله بعد ذكره في الأيام المعلومات وقضاء التفث، وهو شعث الحج، وغباره ونصبه.
والطواف بالبيت إنما يكون في يوم النحر وما بعده.
ولا يكون قبله وقد جعل الله سبحانه هذا مرتبا على ذكره في الأيام المعلومات بلفظة "ثم" فدل على أن المراد بالأيام المعلومات ما قبل يوم النحر ، وهو عشر ذي الحجة.
وأما قوله تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) فقيل: إن المراد ذكره عند ذبحها، وهو حاصل بذكر في يوم النحر، فإنه أفضل أيام النحر، والأصح أنه إنما أريد ذكره شكرا على نعمة تسخير بهيمة الأنعام لعباده، فإن لله تعالى على عباده في بهيمة الأنعام نعما كثيرة قد عدد بعضها في مواضع من القرآن"(تفسير ابن رجب ، ((١٦٥/٢))

ثالثا: قول الشيخ: [ -وهو يذكر أثر ابن عمر وأبي هريرة في تكبيرهما بالأسواق- : [ وقد ذكر الحافظ مع سعة اطلاعه أنه لم يره موصولا ...].
والجواب: يُقالُ بما أن البخاري قد أودعه في صحيحه مجزوما به فهذا يكفي في قوته وشهرته ، وأما تقاصر علم من بعدهم على العثور عليه فهذا يدل على عظم علم المتقدمين وسعة اطلاعهم ، فكم من أثر بيض له الحافظ في كتابه ((تغليق التعليق)) ولم يجده موصولا ، وربما ذكره الحافظ ابن رجب ، وبعض الآثار لم يجدها لا ابن حجر ولا ابن رجب.
فهذا لا يؤثر على صحة الأثر وأهميته

رابعا: قول الشيخ: [ وسلام مختلف فيه...].
الجواب: سلام لم يضعفه أحد ،  قال ابن معين لا باس به، وقال ابوحاتم صدوق صالح الحديث ، وسئل ابن معين هل هو ثقة؟ قال: لا. وهو يقصد أن حديثه ليس في مرتبة الصحيح بدليل قوله الآخر لا بأس به ، وقد جاء عن ابن معين أنه قال إذا قلتُ لا بأس به فهو ثقة ، جاء في تاريخ ((ابن خيثمة)): "قلت ليحيى: إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف، قال: إذا قلت لك: ليس به بأس فهو ثقة"((١٩٢/٣)) ، وهذا يعني أنه سلام عنده ثقة لكنه ليس كالثقات الإثبات كمالك وشعبة وغيرهم.

خامسا: قول الشيخ: [ على فرض صحته...].
الجواب: الأثر صحيح وإسناده قائم ، وسوف أذكر إسناده وندرس رجاله ليتبين بذلك صحته وجودته 
قال الفاكهي:حدثني إبراهيم بن يعقوب، عن عفان بن مسلم، قال: ثنا سلام بن سليمان أبو المنذر القارئ، قال: ثنا حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: " كان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما يخرجان أيام العشر إلى السوق، فيكبران، فيكبر الناس معهما، لا يأتيان السوق إلا لذلك "((أخبار مكة للفاكهي ، (٣٧٢/٢))
رجال الإسناد:
١-يعقوب بن إبراهيم  إمامة ثقة حافظ
٢-عفان بن مسلم ، يكفي فيه قول أبي حاتم: إمام ثقة متقن متين
٣-سلام بن سليمان لم يضعفه أحد ،  قال ((ابن معين وأبو داود)): لا بأس به ، وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث .
٤-حميد الأعرج وثقه ((أحمد وأبو داود وأبو زرعة)) 
٥-مجاهد معروف لا يُسأل عن مثله.
فالسند صحيح ، وأقل أحواله أن يكون في أعلى درجات حسن.
سادسا: قول الشيخ: [ فعل صحابي وهو مختلف بالاحتجاج به...].
الجواب: فعل الصحابي إذا اشتهر كفعل ابن عمر وأبي هريرة بخروجهم للسوق ، ورفعهم أصواتهم بالتكبير حتى يكبر الناس بتكبيرهم ، يدل على اشتهاره مثله بلا شك.
قال ابن القيم: "وإن لم يخالف الصحابي صحابيا آخر فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أو لا يشتهر، فإناشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة"((إعلام الموقعين ، (٩٢/٤))

سابعا: قول الشيخ: [ ثم إن هذا الأثر لا وجود له في الكتب المشهورة....وإنما عزاه ابن رجب لكتاب الشافي وكتاب العيدين ].
الجواب من وجهين:
١-أن وجود هذا الأثر في صحيح البخاري مجزوما به = يدل على شهرته وقوته ، بل يُعد على شرط الصحيح كما ذكره شيخ الإسلام ، وكفى بهذا شهرة .! قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وعرفه في الأحاديث المعلقة إذا قال: قال فلان كذا، فهو من الصحيح المشروط"((الفتاوى الكبرى ، (٣٨/٦)). وذكر جماعة من العلماء ((كابن تيمية وابن حجر والنووي والشنقيطي)) صحة ما ذكره البخاري مجزوما به إلى من عُلق عنه.
٢-أن الشيخ ذكر أن ابن رجب عزاه إلى كتاب الشافي وكتاب العيدين (وهما في عداد المفقودات) ، وهما كتابان لإمامين كبيرين ، وقد اطلع عليها ابن رجب لانها من كتب الحنابلة ، والحنابلة لهم ميزة اختصاص في الاهتمام باالآثار وجمعها ، وكان كثير من هذه الكتب بالشام ، وابن رجب قد استفاد من المكتبات الشامية بخلاف الحافظ ابن حجر فقد كان اطلاعه عليها قليل فإنها لم تكن في متناول يده.
٣-أنه قد فات الشيخ أن هذا الأثر مخرج في كتاب مشهور ومطبوع ، وهو كتاب أخبار مكة للفاكهي((٣٧٢/٢)).

ثامنا: قول الشيخ: [ التكبير من الشعائر الظاهرة أين نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم  وعن بقية الصحابة..].
الجواب من وجوه:
١-نفس الإشكال يرد على التكبير المقيد.! فيقال: التكبير المقيد من الشعائر الظاهرة أين نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأين نقله عن بقية الصحابة ؛ لأنه لم يرد إلا عن أربعة أو خمسة من الصحابة.
فإن قيل: التكبير المقيد نُقِل فيه الإجماع.
قيل الإجماع الذي فيه هو الإجماع السكوتي ، وهو أن يُنقل عن بعض الصحابة ولا يُعلم لهم مخالف ، فالتكبير المقيد نُقِل عن ((أربعة أو خمسة)) من الصحابة ولم يُعلم لهم مخالف ، وكذلك التكبير المطلق نُقِل عن ((اثنين)) من الصحابة ولم يُعلم لهم مخالف ، وكلا التكبيرين قد اشتهر عن الصحابة ، فلا فرق بينهما إلا زيادة في العدد وهذا وصف غير مؤثر في الإجماع السكوتي
٢-يكفي استدلالاً على مشروعية التكبير المطلق أنه عمل به ((اثنين)) من الصحابة ولم يُعرف لهم مخالف ، كما استدللنا على مشروعية التكبير المقيد بأنه عمل به بعض الصحابة.  
٣-لا يلزم لمشروعية التكبير المطلق أن يُنقل إلينا فعله عن كل صحابي ، كما لم يُنقل ذلك إلينا في التكبير المقيد.
٤-التكبير والتسبيح والتحميد دبر الصلوات وكذا التهليل مع رفع الصوت من الشعائر الظاهرة، ولو اجتهد الانسان أن يأثره عن الصحابة ربما لا يجد إلا واحدا أو اثنان. 
٥-أن ((التكبير المطلق)) في عشر ذي الحجة إنما هو تطبيق لعموم الآية (ويذكروا اسم الله في ايام معلومات) وإذا كان هناك نص عام فلا يلزم أن نبحث هل فعله الصحابة أو لا ، لأن الأصل أنهم فعلوه.
قال الشيخ ابن عثيمين: "وهنا قاعدة يجب أن نعمل بها: إذا جاءت النصوص اللفظية عامة فلا تسأل: هل عمل بها الصحابة أم لا؟ لأن الأصل أنهم عملوا بها، وعدم العلم بعملهم ليس علما بعدم عملهم، فالأصل أنهم عملوا به"((اللقاء المفتوح رقم(١٩٩)) فكيف إذا وجدنا بعض الصحابة قد عمل به.
٦-أن بعض الصحابة قد ينسون بعض العبادات ، كما جاء عن عمران بن حصين في البخاري : أنه -عمران- صلى مع علي رضي الله عنه بالبصرة فقال: «ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع"((١٥٦/١))
قال الحافظ: "وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك وقد روى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا"((فتح الباري ، (٢٧٠/٢))
٧-ليس هناك عدد معين إذا تحقق قلنا صح واشتهرت هذه الشعيرة بعمل هولاء الصحابة .
٨-ومما يدل على ثبوت ذلك في عهد الصحابة واشتهاره وكذا عصر التابعين.
ما جاء في ((أخبار مكة)) (للفاكهي) من طريق:  حماد بن سلمة، عن ثابت، قال: " كان الناس يكبرون أيام العشر حتى نهاهم الحجاج " والأمر بمكة على ذلك إلى اليوم، يكبر الناس في الأسواق في العشر"((٣٧٣/٢))وهو إسناد صحيح.
وثابت تابعي جليل ، من مشايخه ابن عمر وابن الزبير وانس وابو برزة وابن مغفل وغيرهم، فيدخل في قوله دخولا أوليا الصحابة الذي أدركهم ثم التابعين.
وهذا نص ولله الحمد واضح في عمل الأمة به.
ويكفي منه دلالة: قوله"والأمر بمكة على ذلك إلى هذا اليوم". فهل مثل أهل مكة يجمعون على عمل هو ضلال أو بدعة أو خطأ.
فعمل أهل مكة أيضا له وزنه ، ولذلك ركن له أحمد في دعاء الختمة ، قال ابن قدامة: "وقال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة {قل أعوذ برب الناس} [فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع. قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة"((المغني ١٢٦/٢))

تاسعا: قول الشيخ: [ وقد أخرج ابن أبي شيبة عن الحكم وحماد أنهما قالا التكبير في العشر محدث].
الجواب من وجوه: 
١-قولهما محدث المراد منه: عدم معرفتهم له ، فقد جاء عند الفاكهي في ((أخبار مكة)) أن شعبة قال: "فلم يعرفاه"((٣٧٣/٢)). فهذا ما توصل لهما علمهما ، ومن علم حجة على من لم يعلم.
٢-أن سؤال شعبة لهما عن التكبير في العشر دليل على أن التكبير كان معمولا به ومشتهرا في الكوفة وهذا كما سوف يأتينا النقل فيه عن أهل الكوفة وعلمائهم.
٣-إذا خفيت هذه السنة على الحكم وحماد فلا ضير ؛ فإنه قد خفي على الصحابة بعض السنن.
٤-ونحن نقول لو أن أهل الكوفة (وليس فقط حمادا والحكم) لا يعملون بذلك ، لقُدم عليهم عمل أهل مكة بلا خلاف، فكيف إذا كان المخالف لأهل مكة -وفيهم التابعون والعلماء- اثنان ؟! 
٥-ومعلوم أن أهل الكوفة قد كانت تخفى عليهم كثير من السنن ، ولذلك خفي عليهم حرمة النبيذ ، حتى كان صالحوهم يشربونه ، يقول شيخ الإسلام: "بخلاف كثير من مذهب أهل الكوفة؛ فإنهم كثيرا ما يخالفون السنة وإن لم يتعمدوا ذلك"((مجموع الفتاوى ، (٣٢٨/٢٠)).
ويقول: "ومن ذلك " صلاة الكسوف " فإنه قد تواترت السنن فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صلاها بركوعين في كل ركعة واتبع أهل المدينة هذه السنة وخفيت على أهل الكوفة حيث منعوا ذلك. وكذلك " صلاة الاستسقاء " فإنه قد ثبت في الحديث الصحيح {عن النبي أنه صلى صلاة الاستسقاء} وأهل المدينة يرون أن يصلي للاستسقاء وخفيت هذه السنة على من أنكر صلاة الاستسقاء من أهل العراق"((٣٦٢/٢٠))

٦-أن من اخص تلاميذ حماد والحكم : (( أبا حنيفة)) وقد كان يعمل بذلك ، بل كان أهل الكوفة يأمرون به.
جاء في الدر المختار: "في المجتبى قيل لأبي حنيفة ينبغي لأهل الكوفة وغيرها أن يكبروا أيام العشر في الأسواق والمساجد قال نعم وذكر الفقيه أبو الليث أن إبراهيم بن يوسف كان يفتي بالتكبير فيها قال الفقيه أبو جعفر: والذي عندي أنه لا ينبغي أن تمنع العامة عنه لقلة رغبتهم في الخير وبه نأخذ"((١٨٠/٢)) فهولاء من علماء الكوفة كانوا يعملون به ويأمرون به ويتواصون بها.

الخلاصة: نلخص الكلام بطريقة تُوضح اشتهار التكبير المطلق وعمل الأمة به في الأمصار الإسلامية.
١-عمل أهل الكوفة بالتكبير: قد أثبتنا ذلك عن علمائهم ، وكذلك قلنا أن سؤال شعبة دليل على اشتهار التكبير في الكوفة مما دفع شعبة ليسأل الحكم وحماد
٢-عمل أهل المدينة : تكبير ابن عمر وابن الزبير في الأسواق وتكبير الناس بتكبيرهما 
٣-عمل أهل البصرة: وذلك من قول ثابت البناني البصري "كان الناس يكبرون أيام العشر" 
٤-عمل أهل مكة: وذلك مأخوذ من أثر ثابت السابق : " والأمر بمكة على ذلك إلى اليوم، يكبر الناس في الأسواق في العشر"
والذي يظهر لي أن تكبير ((ابن عمر وابن الزبير)) إنما كان بمكة أيام الحج ، وهذا أعظم في الدلالة لاجتماع جميع الأمصار في موسم الحج واقتداء الناس بهما ، فقد كان ابن عمر لا يترك الحج وقال نافع: "حججت معه ثلاثا وثلاثين حجة" حتى أيام القتال والفتنة كان يحج وكان أصحابه يتخوفون عليه كما في ((صحيح البخاري)): "عن نافع، أن بعض بني عبد الله، قال له: لو أقمت العام، فإني أخاف أن لا تصل إلى البيت"((صحيح البخاري ، ١٢٧/٥)) وفي موطن آخر: "عن نافع، أن عبيد الله بن عبد الله، وسالم بن عبد الله، أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ليالي نزل الجيش بابن الزبير، فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، وإنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت....." ((صحيح البخاري ((٨/٣))، ولأنه يصعب اجتماع ابن الزبير وابن عمر أيام موسم الحج بالمدينة ولا يحجان ، ولعل السوق المذكور إنما هي أسواق مكة المشهورة التي كان الناس يكبرون فيها كما هو في أثر ثابت "والأمر بمكة على ذلك إلى اليوم، يكبر الناس في الأسواق في العشر".
فيظهر والله أعلم أن خروج ابن عمر وابن الزبير إلى السوق إنما هو سوق مكة أيام موسم الحج. 

الجمعة، 2 سبتمبر 2016

التحقيق في رواية جعل التسليم في آخر الوتر بثلاث ركعات موصولة من حديث "أبي بن كعب"

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا. أما بعد:
التحقيق في رواية جعل التسليم في آخر الوتر بثلاث ركعات موصولة من حديث "أبي بن كعب":
هناك روايتان  :
الرواية الأولى:رواية سعيد ابن أبي عروبة والخلاف عليه.
فهذا بحث مختصر متعلق فقط برواية سعيد ابن أبي عروبة والاختلاف عليه من حيث تحقيق ثبوت التسليم في آخر صلاة الوتر بثلاث ركعات موصولة.
شذوذ رواية عبد العزيز بن خالد:
(مقدمة : سوف نتفق على أن عبد العزيز بن خالد حسن الحديث وصدوق ، حتى نختصر الحديث لأنه مر البحث من المشايخ في حاله ، فنقول أنه صدوق حتى لانعيد الكلام في حاله ويطول ، وكذلك من خالفه من الثقات لن نذكر ثناء العلماء عليهم وتوثيقهم ، وإنما سوف نذكر كلامهم فيهم من حيث روايتهم عن ابن أبي عروبة واختصاصهم به لأنها متعلقة بالبحث أصالة وذلك لحال اختلاط ابن أبي عروبة)
وذلك من ثلاث جهات:
الجهة الأولى: دراسة الإسناد.

مختصر لرواية "جعل التسليم في اخر الثلاث في الوتر" 
دراسة فقط في اختلاف الرواة على سعيد ابن أبي عروبة:
رواية سعيد ابن أبي عروبة والتي فيها "جعل التسليم في اخرها" رواها عنه (٥) :
الراوية الاولى: بذكر الشاهد (التسليم في اخرها)
لم يذكرها الا عبد العزيز بن خالد عنه(سنن النسائي ، (٢٥٢/١)
الرواية الثانية: بدون ذكر الشاهد (التسليم في اخرها)
رواها (٤):
١-عبد العزيز بن عبد الصمد(سنن النسائي ، (٢٥١/٣)
٢-عيسى بن يونس(سنن النسائي ، (٢٣٥/٣) 
٣-محمد بن بشر(سنن النسائي ، (٢٧٣/٩)
٤-يزيد ابن زريع (معجم الصحابة للبغوي ، (٤٦٧/٤)


[حال تفرد عبد العزيز بالروايات عموما وفي روايتنا خصوصا]
عبد العزيز بن خالد والذي روى الشاهد تفرد برواية الشاهد من هذا الطريق الذي نتدارسه ، وهو فيه ضعف لا يختلف في ذلك وليس من اهل الاعتماد ، بل مثل حالة عبد العزيز لو تفرد برواية ولم يخالفه أحد لكان تفرده موضع ريبة عند النقاد وشك ، لأن أحسن أحواله أن يكون حديثه في انزل مراتب  الحسن لأن الصدوق أو حسن الحديث مراتب ولابد من معرفتها فبعضها ينزل إلى يقرب من الضعيف وهذا كحال راوينا عبد العزيز ، وبعضهم يرتفع الى أن يقرب من الصحة ، فكيف وقد خالفه أربعة من الثقات الواحد منهم لو خالفه عبد العزيز بن خالد لقُدم عليه وقُدمت روايته ، فكيف إذا اجتمعوا على مخالفته

كيف وفيهم يزيد ابن زريع المُقدَّم في ابن أبي عروبة وسوف تأتي النقولات في ثناء الأئمة عليه ،  ومحمد ابن بشر فقد سئل أبو داود عن روايته عن ابن ابي عروبة فقال"هو احفظ من كان بالكوفة"

وسوف أنقل كلام للحافظ ابن حجر (يتكلم على ما كان حاله احسن من حال صاحبنا عبد العزيز) من حيث تفرد الصدوق بدون مخالفة ، وكذا إذا خالف.
قال الحافظ في النكت: 
فالصدوق إذا تفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن، فهذا أحد قسمي الشاذ فإن خولف من هذه صفته مع ذلك كان أشد في شذوذه، وربما سماه بعضهم منكرا"(٦٧٤/٢)
فذكر الحافظ شروط سوف نرى هل تنطبق على عبد العزيز:
الشرط الاول: لا متابع له.
فعبد العزيز هنا لا متابع له عن ابن ابي عروبة ، 
الشرط الثاني: لا شاهد له
وعبد العزيز لا شاهد له لان الشاهد الآخر سوف تتم دراسته ويتبين شذوذه.
الشرط الثالث: ولم يكن عنده من الضبط.
وهذا لا يختلف فيه أنه حال عبد العزيز

ولاشك ان عبد العزيز لو تفرد لوجب التوقف والنظر في روايته ، فكيف إذا خالف الثقات
وكان الذهبي يقول "وربما عدوا تفرد الصدوق منكرا" فكيف اذا خالف
ويقول الحافظ في راوي هو حسن الحديث لكنه احسن حالا من عبد العزيز وهو محمد بن اسحاق يقول "محمد بن اسحاق حسن الحديث الا انه لا يحتج به إذا خولف"
فالعلماء المتقدمون وكذلك المتاخرون على ان الصدوق اذا خالف الثقات لايحتج بروايته

بل ابعد من ذلك ان كثير من المحدثين ربما توقفوا في تفردات الثقات يقول الحافظ ابن رجب: "وانفراد الراوي بالحديث، وإن كان ثقة، هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، وأن يكون شاذاً ومنكراً، إذا لم يرو معناه من وجه يصح ، وهذه طريقة أئمة الحديث المتقدمين كالإمام أحمد، ويحيى القطان، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني وغيره"
فكيف بتفرد الصدوق ، بل كيف بتفرد من هو في اقل مراتب الصدق ، بل كيف بمخالفة مثل هذا للثقات ؟!

وليس الكلام على التفرد وانواعه لكي لا يتفرع الكلام وانما ذكرت هذا لنصل لحالة صاحبنا عبد العزيز وكيف تكون روايته عند المحدثين من حيث القبول والرد وخاصة عند المخالفة

الجهة الثانية: تعليل النسائي لروايته بالمخالفة
وهذه يستأنس بها وإن لم تكن قاعدة مطردة لكنها تقوى إذا نبه النسائي على المخالفة وكان حال الراوي فيه ضعف ، وكرر التنبيه على المخالفة في كذا موطن
ذكر ابن رجب أن منهج النسائي في التعليل ، أنه يبدأ بالحديث المعلول ثم يتبعه بالحديث صحيح الرواية
قال الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي: "تجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث، بدأ بما هو غلط، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له"
ولننظر في روايتنا هذه 
قال النسائي في  (( السنن الكبرى )): "كيف الوتر بثلاث"
ثم ساق رواية عبد العزيز ، وقال في آخر الرواية "وخالفه عبد العزيز بن عبد الصمد" ثم ساق رواية عبد العزيز بن عبد الصمد.(٢٥٢/١)

وفعل نفس الشي في موطن آخر من السنن الكبرى بدأ بالرواية المعلولة إلا أنه زاد راو آخر وهو محمد بن بشر: 
"الإختلاف على سعيد بن أبي عروبة
أخبرنا يحيى بن موسى قال حدثنا عبد العزيز بن خالد...."
فبدأ بذكر الرواية المعلولة ثم قال بعدها: "خالفه عبد العزيز بن عبد الصمد ومحمد بن (بشر)
أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد...."(٢٧٢/٩)
فرحم الله الحافظ ابن رجب ما ما أدقه.
وكما قلنا أنها قاعدة تفيد الباحث خاصة إذا خالف الصدوق الثقات ، فتبين أن رواية عبد العزيز بن خالد غلط  . 

الجهة الثالثة: حال الرواة في روايتهم عن سعيد ابن ابي عروبة.
سعيد ابن ابي عروبة قد اختلط واطبق المحدثون على ذلك.
فلا يصح حديث الرواة عنه إلا بشرط أن يتبين أنه سمع منه قبل الاختلاط. فمن جهلت حالته هل سمع منه قبل أو بعد الاختلاط تُوقف في روايته ، بل من ثبت أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده أيضا تُوقف في حديثه ، لأنا لاندري هل الحديث هذا أخذه منه قبل أم بعد وهذا كحال رواية حماد بن سلمة عنه
لذلك اجتهد النقاد قديما وحديثا في تعداد الرواة الذين سمعوا من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط.

وقال أحمد بن حنبل: "من سمع منه قبل الهزيمة، فسماعه جيد"(سير الأعلام ، (٤١٥/٦)
قال أحمد: "قال أبي ومن سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل الهزيمة فسماعه جيد ومن سمع بعد الهزيمة كان أبي ضعفهم" (العلل ، (١٦٣/١)
قال النسائي: " سعيد بن إياس الجريري من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء وكذلك بن أبي عروبة"(الضعفاء والتروكون ، (ص٥٣).
قال البزار: لا نعلم له طريقا غير هذا، ومنصور لا أدري سمع من عطاء قبل اختلاطه أو بعده"(اتحاف الخيرة ، (٣٧٧/٥)
قال ابن عدي : "اختلط فمن سمع منه قبل الاختلاطفحديثه مستقيم حجة"(الكامل ، ٤٤٦/٤)
قال ابن رجب: "اختلط في آخر عمره"(شرح العلل (٧٤٣/٢)
وقال الألباني: "وسائر الأئمة الذين حرصوا أشد الحرص على معرفة الرواة الذين سمعوا منه قبل الاختلاط، والذين سمعوا منه بعده، ليميزوا صحيح حديثه من سقيمه"(السلسة الضعيفة ، (١٦٥/٣)
نأتي لصاحبنا الصدوق عبد العزيز بن خالد ، فلا نعرف هل سمع منه قبل الاختلاط أم بعده ، فعلى هذا فروايته هنا مردودة.
ونأتي لمن خالفوه وهم:
١- يزيد بن زريع 
٢-ومحمد بن بشر 
٣-عيسى بن يونس
٤-عبد العزيز بن عبد الصمد
فقد نصوا الأئمة على أنهم سمعوا منه قبل الاختلاط ، بل كان ابن زريع مقدم في ابن أبي عروبة تقديما عظيما ، وسوف أسوق بعض كلامهم. 

١-يزيد بن زريع.
قال ابن رجب: "وقد أكثر الأئمة السماع منه قبل الاختلاط.
منهم: يزيد بن زريع، قاله الإمام أحمد.
وقال ابن عدي: اثبت الناس يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث ويحيى بن سعيد" (شرح العلل ، (٧٤٣/٢)
ولما سئل الدارقطني عن أثبت أصحاب سعيد ابن أبي عروبة؟ قال: يزيد بن زريع .." (سؤالات ابن بكير للدارقطني ، (ص٥٧).
فبدأ بيزيد أولا.
وقال أبو داود: يزيد أثبت الناس في سعيد"(سؤالات الآجري ، (رقم ١٤٣٧)
وقال احمد: "سمعت أحمد قيل له تفسير قتادة قال إن كتبته عن يزيد بن زريع عن سعيد فلا تبالي أن لا تكتبه عن أحد"(سؤالات أبي داود ، (ص٣٤٧).

وقال أحمد: "رواه يزيد بن زريع عن سعيد فلا تبال أن لا تسمعه من أحد ، سماعه من سعيد قديم وكان يأخذ الحديث بنية."(الكامل لابن عدي ، (٤٤٦/٤)
وقال احمد: "سمعت أبي يقول كان يزيد بن زريع يحفظ أصناف سعيد بن أبي عروبة" (العلل ، ٣٥٧/٢)

٢-محمد بن بشر.
وقال احمد وهو يذكر احسن الرواة سماعا من سعيد : "مثل محمد بن بشر وعبدة فهو جيد"(العلل ، (١٦٣/١)
وقال أبو داود: "ومحمد بن بشر العبدي وسماعه بالكوفة مع عيسى بن يونس، ولم يذكروا القنوت"(٦٤/٢)
لأن ابن أبي عروبة لما دخل الكوفة لم يكن مختلطا حتى خرج منها.
قال الإمام أحمد: "قال من سمع منه بالكوفة مثل محمد بن بشر وعبدة فهو جيد"(العلل ومعرفة الرجال ،(١٦٣/١)
وقال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي أيما أحب إليك في سعيد الخفاف أو أسباط بن محمد فقال أسباط أحب إلي لأنه سمع بالكوفة"(العلل ومعرفة الرجال ، (٣٠٢/٣)
وقال المروذي: وسألته قلت سعيد بن أبي عروبة حين قدم الكوفة سمعوا منه وهو مختلط قال لا سماعه جيد لم يكن مختلطا"(ص١٠٥)

٣-عيسى بن يونس
"قال أبو داود: قلت لأحمد: سماع عيسى من ابن أبي عروبة؟ قال: سماعه جيد بالكوفة"(سؤالات أبي داود ، (ص٣٨٢).
وقال أبو داود: "ومحمد بن بشر العبدي وسماعه بالكوفة مع عيسى بن يونس، ولم يذكروا القنوت"(٦٤/٢)
لأن ابن أبي عروبة لما دخل الكوفة لم يكن مختلطا حتى خرج منها.
قال الإمام أحمد: "قال من سمع منه بالكوفة مثل محمد بن بشر وعبدة فهو جيد"(العلل ومعرفة الرجال ،(١٦٣/١)
وقال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي أيما أحب إليك في سعيد الخفاف أو أسباط بن محمد فقال أسباط أحب إلي لأنه سمع بالكوفة"(العلل ومعرفة الرجال ، (٣٠٢/٣)
وقال المروذي: وسألته قلت سعيد بن أبي عروبة حين قدم الكوفة سمعوا منه وهو مختلط قال لا سماعه جيد لم يكن مختلطا"(ص١٠٥)

٤-عبد العزيز بن عبد الصمد 
 عن يحيى بن معين انه سئل عن يزيد بن زريع وعبد العزيز بن عبد الصمد العمى ايهما يقدم؟ قال: يزيد اوثق"(الجرح والتعديل لابن ابي حاتم (٢٦٤/٩)
وهذا يدل على قوة عبد العزيز حتى أنه يقارن بيزيد بن زريع . وهذا إن لم يكن صريحا في روايته عن ابن أبي عروبة قبل الاختلاط ، إلا أنه قد يكون راجحا عند النظر.

فأين عبد العزيز بن خالد الصدوق الذين لم نجد فيه توثيقا في نفسه تطمئن إليه النفس ، فضلا عن عدم معرفتنا لروايته عن سعيد هل كانت قبل الاختلاط أو بعده ، فضلا عن مخالفته لهولاء الثقات ، الذين ثبتت روايتهم عن سعيد قبل الاختلاط واعتمدها الأئمة ؟! 

[ وهذه نماذج من تعامل العلامة الألباني مع المختلط ]

قال: قلت: وهذا من المرجحات لرواية الإرسال لأن ابن أبى زائدة وهو يحيى بن زكريا بن أبى زائدة الذى وصله لا ندرى سمع منه قبل الاختلاط أو بعده"( الارواء ، (١٦١/٤)

قال الالباني: "يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة،
ويزيد هذا قال إبراهيم بن محمد بن عرعرة: لم يكن أحد أثبت منه وقال أحمد:
ما أتقنه وما أحفظه! يا لك من صحة حديث صدوق متقن، قال: وكل شيء رواه يزيد
بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة فلا تبال أن لا تسمعه من أحد سماعه منه قديم ".
قلت: فهذا يرجح أن المحفوظ عن سعيد إنما هو بلفظ " أحد "، لأنه حدث به سعيد
قبل اختلاطه" (السلسلة الصحيحة ، (٥٣٣/٢)

وقال أيضا: "عطاء بن السائب كان اختلط , وقد روى حماد عنه بعد الاختلاط كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ , فسماعه منه قبل ذلك كما قال آخرون لا يجعل حديثه عنه صحيحا بل ضعيفا لعدم تميز ما رواه قبل الاختلاط عما رواه بعد الاختلاط" (إرواء الغليل ، (١٦٧/١)

وقال: "عطاء بن السائب كان اختلط , وحماد ـ وهو ابن سلمة ـ روى عنه قبل الاختلاط وبعده , فلا يحتج بحديثه عنه حتى يتبين فى أى الحالين رواه عنه"(الإرواء ، (١٢٤/٢)

وقال: "وهذا الأثر لا يدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده، فهو إذن غير مقبول، فلا يحتج به"(التوسل ، (ص١٢٧)

فنخلص من هذا أن رواية عبد العزيز بن خالد بدون الضعف والمخالفة لاتصح أصلا فكيف إذا ضم لها مافيه من ضعف ومخالفة

وأخيرا:
قد يجيب من يصحح هذه الرواية
١- بأن هذا الحديث مختصر
 وأيضا شبهة الاختصار يمكن القول بها لو أن المخالفين ذكروا كلمة من الحديث او شيئا قليلا منه حتى يمكن القول أنهم اختصروه ، واما ان يذكروا الحديث كاملا الا هذه اللفظة او بعض اللفظات كالقنوت فلا تَرِد شبهة الاختصار 
٢-ولا يلزم تتبع كل لفظة فيه.
وهذا الكلام قد يكون صحيحا لو كان المخالف من الثقات المشهورين بالرواية ، ولكن مثل حالة عبد العزيز ورتبته لا تسمح بذلك 
٣-أن هذه ليست مخالفة ولكنه ذكر مالم يذكره غيره
ذكر مالم يذكره الثقات عند علماء الحديث تُعد من قبيل المخالفة وخاصة إذا خالف قليل الضبط الثقات ، وعباراتهم كثيرة في هذا الباب
٤-ليست كل مخالفة تُعد شاذة
وهذ الكلام صحيح ، فالحكم بشذوذ الرواية ليس قولا واحد ويحمل عليه الباحث من خالفوه ، لأنها في النهاية نظر وبحث وسبر ومقارنات وقرائن ، ولكن نقول نعم ليس كل مخالفة تُعد شاذة ،  إذا كانت المخالفة من متقاربين.
٥-مالداعي لذكر شذوذ هذه الرواية(جعل التسليم في آخرها) وهي إنما تقرر حكم متفق عليه وهي صلاة الوتر موصولة.
لو كان الحكم متفق عليه يمكن أن يكون الكلام صحيحا.
أولا: وجدنا علماء الحديث حكموا على زيادات بالشذوذ وحكمها متفق عليه ، فالحكم بالشذوذ ليس له علاقة بحكم المسألة فقهيا وإنما علاقته بمعرفة هل صحت هذه اللفظة عن هذا الشيخ أولا ، بغض النظر عن الحكم الفقهي.
ثانيا: ليس هذا الحكم متفق عليه بل هناك من كره الوتر بثلاث موصولة حكى محمد ابن نصر المروزي أن بعض الصحابة والتابعين كرهوا الوتر بثلاث موصولة فقال: "وكرهغير واحد من الصحابة والتابعين الوتر بثلاث بلا تسليم في الركعتين كراهة أن يشبهوا التطوع بالفريضة"(ص٢٩٧ مختصر قيام الليل)
فمن يأخذ بهذا القول له الحق أن يعتم من هذه الزيادة في الحديث.
هذا البحث فيه بلا شك اخطاء وأغلاط فرحم الله من قوَّمه وأعان على تصحيحه

ولعل الله ييسر أن تتم دراسة غيره من الطرق

أهم النتائج:
١-عبد العزيز بن خالد أحسن أحواله أنه صدوق 
٢-المخالفون له من الثقات المختصين بابن أبي عروبة
٣-اختلاط ابن أبي عروبة متفق عليه بين المحدثين
٤--رواية عبد العزيز بن خالد عن ابن أبي عروبة لا تصح ولو لم يخالفه أحد حتى يصرح إمام من الأئمة أنه سمع منه قبل الاختلاط وهذا مالا يوجد

وفي الختام: هذا البحث ليس موجها لأحد دون الآخر ، وإنما ذكرته لأستفيد من إخواني جزاهم الله خيرا وأستفيد من تصويباتهم ، ولا أدعي فيه الكمال بل الذي أعتقده أن فيه خلل ونقص وقصور نسال الله السلامة والعافية ، وبعض الكلام قد ذكرته استطرادا للفائدة فقط

والله أعلم

_______________________________________

الرواية الثانيةبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا. أما بعد:
فهذا بحث مختصر متعلق فقط برواية (زبيد) والاختلاف عليه من حيث تحقيق ثبوت التسليم في آخر صلاة الوتر بثلاث ركعات موصولة.
[ شذوذ رواية (زبيد) بذكر الشاهد وهو (جعل التسليم في آخر الوتر بثلاث ركعات موصولة ]
وذلك من أربع جهات:
الجهة الأولى: دراسة الإسناد.
رواية زبيد والاختلاف عليه:
القسم الأول: [ من رواه عن زبيد بدون ذكر الشاهد]
رواه عن زبيد (١٤) راوي بدون ذكر الشاهد:
١-ابو حنيفة (الآثار لأبي يوسف ، (٧٠/١)
٢-الثوري(مصنف عبد الرزاق ، (٣٢/٣) وابن أبي شيبة عن وكيع عنه (٩٣/٢)
٣-عبد الملك ابن أبي سليمان (سنن النسائي ، ( ٢٤٥/٣) و (مصنف ابن أبي شيبة ، (٩٣/٢)
٤-مالك بن مغول (سنن النسائي، (٢٤٦/٣)
٥-محمد ابن جحادة (سنن النسائي ، (٢٤٦/٣)
٦-شعبة(مسند أحمد ، (٧٥/٢٤-٧٦) و (سنن النسائي الكبرى ، ١٦٨/٢)
٧-جرير بن حازم(مسند أحمد ، (٨٠/٣٥)
٨-الأعمش(مسند أحمد، (٧٨/٣٥)
٩-فطر ابن خليفة (سنن الدارقطني ، (٣١/٢)
١٠-هاشم بن سعيد (مسند البزار ،(٢٩٩/٨)
١١-عمرو بن قيس (معجم الصحابة لابن قانع ، (١٤٩/٢) و (معجم الطبراني الأوسط ، (٢١١/١)
١٢-أبو جعفر الرازي (مجالس ابن مندة ، (ص١٥) [وهذا والله أعلم خطأ فلعله قد سقط منه الأعمش بين أبي جعفر الرازي وزبيد فإن كل الرواة يذكرونه عن أبي جعفر عن الأعمش عن زبيد ، وهي الرواية المشهورة في بطون كتب السنة] 
١٣-محمد بن طلحة (شرح معاني الآثار ، (٢٩٢/١) 
١٤-محمد بن ميسر(مسند أبي حنيفة (ص١٠٩)

[من رواه عن زبيد بذكر الشاهد]
رواه راوي واحد عن زبيد وهو (مسعر) واختلف في الإسناد إليه فبعضهم ذكره بالشاهد والبعض الآخر لم يذكره.
الإسناد الذي جاء فيه ذكر الشاهد
أبو حاتم الرازي عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن مسعر عن زبيد...
فمدار الحديث على على الإمام المشهور "أبي حاتم"
واختُلِف عليه ، وإليك التفصيل:
أولا: [ من ذكر الشاهد ].
رواه بذكر الشاهد عن أبي حاتم ثلاثة:
١-الهيثم بن كليب الشاشي كما في مسنده (الشاشي ، (٣٢٤/٣)
٢-محمد بن الحسن بن علي البخاري (مشكل الآثار ، (٣٦٨/١١)
٣-مجهول.
 لأن الطحاوي لما ساق السند قال: حدثني محمد بن الحسن وغيره....
ثانيا: [ من رواه بدن الشاهد].
رواه الإمام ابن المنذر عن أبي حاتم بدون ذكر الشاهد (الأوسط لابن المنذر ، (٢٠٣/٥)

[المقارنة بين الروايتين]
عندنا إمامان حافظان ابن المنذر والشاشي ، وإن كان ابن المنذر أجل وأوثق من الشاشي ، فابن المنذر لم يذكر الشاهد عن أبي حاتم ، وذكره الشاشي عنه.
وأما محمد بن الحسن فلم أعرفه ولم أجد له (حسب علمي القاصر) ترجمة ، فجزى الله خيرا من أعان على معرفته ، فهو في عداد المجهولين ، وكذا رقم (٣) فإنه مجهول. 
والذي تطمئن له نفسي هي رواية ابن المنذر لجلالته ، والذي أراه أن الرؤية فيها والترجيح متكافئ ، وإنما رجحت رواية ابن المنذر لجلالته وموافقته ل (١٤) راو من الثقات لم يذكروها.
وهناك متابعة لأبي حاتم في ذكر الشاهد ، وهي رواية "محمد بن يونس الكديمي" رواها عن: "عمر بن حفص ..."ولكن لا يُفرح بهذه الرواية لأنه كذاب.
رواها (البيهقي(٥٨/٣)
قال الألباني: "ثم رأيت البيهقي (٣/٤٠- ٤١) قد وصله من طريق محمد بن يونس عن عمر
ابن حفص بن غياث: ثنا أبي عن مسعر ... به.
ومحمد بن يونس: هو الكديمي، متهم"(الإرواء ، (١٧١/٥).

الجهة الثانية: حال حفص بن غياث.
حفص بن غياث رماه أحمد والدارقطني بالتدليس(تهذيب التهذيب ، ٤١٧/٢)
وهو في هذا السند لم يصرح بالسماع ، وقد نبه أبو داود على ذلك ، وتخوف أن يكون حفص قد دلسه عن غير مسعر.
قال أبو داود: «وليس هو بالمشهور من حديث حفص نخاف أن يكون، عن حفص، عن غير مسعر" (سنن أبي داود ، (٦٤/٢)

الجهة الثالثة: تعليل بعض العلماء لرواية حفص بن غياث عن مسعر.
ومما يدل على تعليل الأئمة لهذه الرواية (رواية التسليم) ، من طريق حفص عن مسعر ..أنهم قد أعلو بعض روايات الحديث بسبب مشابه لما نحن فيه ، فأعلو ذكر القنوت فيه ، وذكر القنوت فيه أكثر طرق وأشهر من ذكر التسليم في آخره ، وأعلوه بذكر الصحابي "أُبي" فيه ، وذكره في الإسناد أشهر وأكثر بمراحل من رواية التسليم في آخره ، بل إن أقل الروايات على الإطلاق طرق وقوة هي رواية التسليم في آخر الوتر ، فكل الروايات والألفاظ سواء التي أعلوها الأئمة أو لم يتعرضوا لها بشيء فهي كلها أقوى وأكثر مخارج من رواية التسليم في آخر الوتر ، ولننتقل لكلام الأئمة في تضعيف هذه الرواية .
أولا: من نص على رواية مسعر عن زبيد:
١-قال أبو داود: "لم يذكر أحد منهم القنوت إلا ما روي عن حفص بن غياث، عن مسعر، عن زبيد، فإنه قال في حديثه: إنه قنت قبل الركوع، قال أبو داود: «وليس هو بالمشهور من حديث حفصنخاف أن يكون، عن حفص، عن غير مسعر"(٦٣/٢)

٢-قال أبو علي الحافظ: لم يسنده غير مخلد يعني ابن يزيد، إن كان حفظه، وروى وكيع وابن المبارك وأبو نعيم وغيرهم عن الثوري عن زبيد عن ذر عن سعيد بمعناه ولم يذكروا أبي بن كعب قال البيهقي: ولم يذكروا أيضا القنوت قبل الركوع وروي عن فطر عن زبيد عن سعيد، وعن مسعر عن زبيدعن سعيد بمعناه وزيادة، قال أبو علي: وكلاهما وهم، وزبيد إنما سمعه من ذر بن عبد الله عن سعيد عن أبيه دون ذكر أبي قال البيهقي: ودون ذكر القنوت، وحدثنا عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عروة عن سعيد وهم رواة شعبة وغيره عن قتادة دون ذكر أبي فيه ودون ذكر القنوت.(مختصر خلافات البيهقي ، (٢٨٣/٢)

٣-قال الإمام أبو القاسم الحنائي صاحب الحنائيات: "ورواه أبو حاتم الرازي عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن مسعر عن زبيداليامي عن ذر وذكر فيه أبي بن كعب
وحديث شعبة وعبد الرزاق عن سفيان أقرب إلى الصواب والله أعلم" (فوائد الحنائي ، (٥٤٤/١)

٤-قال البيهقي: "قد ذكر أبو داود رواية عيسى بن يونس، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قنت في الوتر قبل الركوع»
ورواية عيسى، عن فطر بن خليفة، عن زبيد، عن سعيد، مثله ، ورواية حفص بن غياث، عن مسعر، عن زبيد، عن سعيد ثم ضعف هذه الروايات، واستشهد بمخالفتها رواية جماعة يزيد عددهم على هؤلاء دون ذكر القنوت"(معرفة السنن والآثار ، (٨٨/٤)
 [من أعل رواية القنوت بذكر إسناد معين]
الإمام النسائي أعل كذلك رواية القنوت عن زبيد ، فقال: "وقد روى هذا الحديث غير واحد عن زبيد فلم يذكر أحد منهم فيه: "ويقنت قبل الركوع"(١٦٧/٢)

[ من أعل كل روايات القنوت دون ذكر إسناد بعينه ]
وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله: أختار القنوت بعد الركوع، إن كل شيء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، إنما هو في الفجر لما رفع رأسه من الركوع، وقنوت الوتر أختاره بعد الركوع، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء. وقال الخلال: أخبرني محمد بن يحيى الكحال، أنه قال لأبي عبد الله في القنوت في الوتر. فقال: ليس يروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن كان عمر يقنت من السنة إلى السنة.(زاد المعاد ، (٣٢٣/١)
قال الخلال عن أحمد: لا يصح فيه شيء، ولكن عمر كان يقنت(الإرواء ، (١٦٨/٢)


إشكال: هل تتبع ألفاظ هذا الحديث سواء في السند أو المتن طريقة سليمة؟ فقد يكون الحديث مختصر.
الجواب: وجدنا الأئمة في هذا الحديث نقدوا ألفاظا في المتن وأخرى في السند ، وبعضها أصلا غير مؤثر ، وإليك البيان:
نقد المتن: 
١-إعلال رواية القنوت كما مر معنا عن أحمد وأبي داود وأبي علي الحافظ والحنائي ، ونزيد هنا قول ابن خزيمة: "نا بندار، نا محمد بن جعفر، نا شعبة قال: سمعت ابن أبي مريم؛ وثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، نا يزيد بن زريع، نا شعبة؛ ح وثنا أبو موسى، نا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء قال:
سألت الحسن بن علي ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يعلمنا هذا الدعاء: "اللهم اهدني فيمن هديت"، بمثل حديث وكيع في الدعاء، ولم يذكر القنوت، ولا الوتر.
وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق. وأبو إسحاق لا يعلم أسمع هذا الخبر من بريد أو دلسه عنه، اللهم إلا أن يكون كما يدعي بعض علمائنا أن كل ما رواه يونس عن من رواه عنه أبوه أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه" 
ثم قال: "ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر، أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفةخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولست أعلمه ثابتا" (٥٤٤/١)

وقال أيضا: "قال أبو بكر: ولست أحفظ خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر، وقد كنت بينت في تلك المسألة علة خبر أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر القنوت في الوتر وبينت أسانيدها، وأعلمت في ذلك الموضع أن ذكر القنوت في خبر أبي غير صحيح، على أن الخبر عن أبي أيضا غير ثابت في الوتر بثلاث"(٥٤٣/١)

بل جعل ابن خزيمة أعلى شي في قنوت الوتر هو أثر عن الصحابة ، فقال: "وأعلى خبر يحفظ في القنوت في الوتر عن أبي بن كعب في عهد عمر بن الخطاب موقوفا أنهم كانوا يقنتون بعد النصف، يعني من رمضان" (٤٤٦/١)
نقد السند:
١-إعلال رواية ذكر "أبي بن كعب" فقد قال أحمد"والحديث يصير إلى ابن أبزى"(تاريخ بغداد ، (٢٩٧/٩) ، وكذا قال الدارقطني: " وسئل عن حديث زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يأيها الكافرون} ، و {قل هو الله أحد} .
فقال: يرويه قتادة واختلف عنه؛
فرواه الحجاج، عن قتادة، عن زرارة، عن أبي هريرة.
ورواه شعبة، عن قتادة، عن زرارة، عن ابن أبزى، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقول شعبة أشبه بالصواب"(٩٤/٩)
 وكما مر معنا عن أبي علي الحافظ والحنائي

٢-إعلال رواية ذكر "ذر" كما فعل النسائي فلما ذكر رواية 
(قاسم و محمد بن عبيد) عن سفيان، عن زبيد، عن سعيد ...
بإسقاط اسم "ذر" ، وذكر بعدها رواية : عن أبي نعيم، عن سفيان، عن زبيد، عن ذر، عن سعيد ..." بذكر اسم "ذر" قال النسائي: "أبو نعيم أثبت عندنا من محمد بن عبيد، ومن قاسم بن يزيد" (٢٥٠/٣)

الجهة الرابعة: إعلال الأئمة لكل روايات الوتر بثلاث ركعات موصولة.
وهذه الجهة مهمة جدا ، حيث يكون لك سلف في إعلال روايات الوتر بثلاث ركعات موصولة ، ومن هولاء الأئمة:
١-محمد بن نصر المروزي ، قال: " لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوي هل هي موصولةأو مفصولة"(فتح الباري ، ٤٨١/٢)

٢-الإمام ابن خزيمة.
قال ابن خزيمة: "وقد أمليت في المسألة التي كنت أمليتها على بعض من اعترض على أصحابنا أن الوتر بركعة غير جائز، الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر بثلاث، وبينت عللها في ذلك الموضع" (صحيح ابن خزيمة ، (٥٤٣/١)
بل قد خص ابن خزيمة حديث أبي بن كعب بدراسة متخصصة ، وذكر أنه لم يصح فيه الوتر بثلاث موصولة ، فقال: "وقد كنت بينت في تلك المسألة علة خبر أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر القنوت في الوتر وبينت أسانيدها، وأعلمت في ذلك الموضع أن ذكر القنوت في خبر أبي غير صحيح، على أن الخبر عن أبي أيضا غير ثابت في الوتر بثلاث" (٥٤٣/١)

٣-ابن المنذر.
فإنه في كتابه ((الأوسط)) ذكر الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات الموصولة في الوتر ، ولم يذكر الثلاث ، بل قال وقال بعضهم يوتر بثلاث موصولة: "فنحن وإن كنا نرى الوتر ركعة، فقد قال غيرنا: يوتر بثلاث.....قال أبو بكر: وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بخمس، لم يجلس إلا في آخرهن، وأوتر بسبع وثبت أنه أوتر بتسع لا يقعد فيهن إلا عند الثامنة، ثم قعد فيالتاسعة، فبأي فعل مما جاء به الحديث من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر [ص: ١٨٨] فعله رجل فقد أصاب السنة غير أن الأكثر من الأخبار والأعم منها أنه سئل عن صلاة الليل فقال: «مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة» ، وإن شاء المصلي صلى ركعتين ركعتين، وإذا أراد أن يوتر بثلاث صلى ركعتين، قرأ في الأولى منها بـ سبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بـ قل يا أيها الكافرون، ثم يسلم ويأتي بالركعة الثالثة، ويقرأ فيها قل هو الله أحد والمعوذتين"(١٨٧/٥).
وهذا دليل على أنها لم تصح عنده الثلاث موصولة وإلا لذكرها كما ذكر غيرها ، وهذا واضح.

أهم النتائج:
١-ما يجاوز (١٠) من الرواة فيهم الثبت الثقة كالثوري وشعبة وغيرهم لم يذكروا الشاهد
٢-الذي تفرد بذكر الشاهد راو واحد ، وقد اختلف عليه في ذكر الشاهد اختلافا يقرب من التكافؤ
٣-الذين لم يذكروا الشاهد لم يختلف عليهم.
٤-السند الذي فيه ذكر الشاهد فيه مدلس لم يصرح بالسماع
٥-سند الشاهد شكك في صحته إمام من الأئمة وهو أبو داؤد
٦-العلماء ضعفوا زيادات في سند هذا الحديث ومتنه هي خير حال من روايتنا المدروسة بلا خلاف
٧-تنصيص إمامين من أئمة هذا الشأن بضعف وعلل روايات الوتر بثلاث ركعات موصولة.


وفي الختام: يظهر جليا تعليل رواية التسليم في آخر الوتر بثلاث ركعات موصولة كما حكم بذلك محمد بن نصر المروزي ، وابن خزيمة..