الأربعاء، 26 يونيو 2019

[أهمية إنكار المنكر وبعض الصور التي ليست من إنكار المنكر]

تواصوا يا اخواني على انكار المنكرات وابلغوا المسؤلين عنها ولو برسالة او مقابلة او مكالمة حتى اصحاب المحلات او الجمعيات فوالله ما تواصوا الناس بذلك الا رحمهم الله ودفع عنهم البلاء ، وكم حدثني بعض اخواني في انكار المنكرات من قصص جميله ووجد تفاعل من المسؤلين واصحاب المحلات وكانت اكثرها رسائل او مكالمة ، ولله الحمد كم من منكر زائل وشر دُفِع..

والآن لا عذر لأحد في ترك ذلك لان هذه الأجهزة امكنت الكل من معرفة ارقام اصحاب المنكرات ، وان لم يقدر فإنه لا يعدم من معرفة من يستطيع أن يبلغه من المقربين .

فاجتهدوا واحتسبوا الأجر ، وليس هذا حتى قاصر على بلادك ودولتك بل جميع الدول وخاصة الخليجية تستطيع الوصول لارقامهم بكل سهولة ، 

صاحب المنكر انسان ضعيف يتأثر بما حوله سلبا وإيجابا ، فربما ذكّره بعض الناس فانتفتع بذلك وربما هداه الله الى السراط المستقيم ..

وعلى المحتسب ان ينكر ذلك باللطف واللين ، والكلمة الحسنة مستخدما الالفاظ التي تبني ولا تهدم ، وتنفع ولا تضر ، وتقرب ولا تنفر ، وليعلم انه ليس سيفا مسلولا على الناس (لست عليهم بمصيطر) ..

فهذا سبيل الإصلاح لمن كان يريد الأجر والخير ، والعفو والعافية في الدين والدنيا، لا ما يحدث الآن من تتبع التويتر والوتساب ، ونقل المنكر من هنا ومن هنا ، وتصويره وتعليقات ساخرة وتعجبات متوترة ونفوس متحفزة وغليان يشهده المبصر ، ثم يقول هذا من انكار المنكر .! لا بل هذا افساد وفساد، واسترواح ويأس ، يفعل ذلك كي يرمي عن نفسه عبء المسؤلية ويرضي ضميره بطريق الكسالى ، ثم يظن بعد ذلك أنه قد أدى الذي عليه ، وما علم أنه قد وضع لبنة في صرح الفساد ، وعتبة على باب الفتن ، فإذا تهاوى الصرح ، واستشرفت الفتن وأطلت بعنقها ، كان له نصيب من ذلك الفساد عند رب العالمين.! 

واعلم انه ليس بلازم ولا شرط ان يزول المنكر بعد إنكارك ولا في حياتك، فنوح عليه الصلاة والسلام لبث الف سنة الا خمسين عاما وما آمن معه الا قليلا قيل ان عددهم(12) ، والنبي يأتي وليس معه أحد ، والنبي يأتي ومعه رجل واحد ، والنبي يأتي ومعه الرجلان..

أخي الكريم يكفي أنك أديت الذي عليك وعاونت غيرك في بناء سور الأمن والأمان الذي تعهد الله به لمن قام بهذه الشعيرة..


وفي الأخير تنبيه: اعلم أن إنكار المنكر ((فن وعلم)) قائم بنفسه فكما يحمد التدرج في سلك التعلم والتفقه ، ويذم بأن يُزج بالصغار في مطولات كل علم وفن ، وان كانت هي خير إلا أن كل خير ليس في أوانه فإنه ينقلب إلى شر ، فكذلك إنكار المنكر بالنسبة للصغار فجنبوا الأحداث والصغار القيام بشعيرة إنكار المنكر فإنه مزلة أقدام وربما أفسدوا أكثر مما يصلحون وما كان ضلال كثير من أهل البدع إلا عن طريق إنكار المنكر ، وأيضا قد يكون في قيامهم بذلك فتنة لهم من جهات كثيرة لا يصمد إيمانهم معهم ، وليكن جهدم قاصر على صلاح انفسهم فإنهم إلى الآن لم يشتد عودهم، او يكون إنكارهم في المحيط القريب منهم ..

وهذا ينجر كذلك إلى الجهال والحمقى بل حتى من كان عنده علم لكنه لا حكمة لديه فمثل هولاء لا تصدروهم ولا تدفعوهم فكل إنسان ميسر لما خلق له.. وكلٌ يُرشد إلى ما ينفعه ويُنتفع به..

الاثنين، 24 يونيو 2019

[[ هل الأربع ركعات بعد العشاء تعدل ليلة القدر؟ ]]

[[ هل الأربع ركعات بعد العشاء تعدل ليلة القدر؟ ]]



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا.

وبعد:

فما زالت مسألة الأربع ركعات في ذهني لم يطمئن قلبي لها، وإن كنت متهيِّبًا لبعض الآثار في ذلك مع مناقشة بعض الأخوة فيها، حتى خلصت إلى هذه النتيجة، والتي أرى أن قلبي يطمئن لها بحسب تطبيق القواعد الحديثية، وعدم إهمال الجانب العملي للسلف، والنظر الفقهي للعلماء، والمقاصد الشرعية، والحكمة الالهية، فوجدت أن ذلك صب عندي مصبًّا واحدًا مناديًا بتعليل هذه الآثار وعدم صحتها!


[الأحاديث المرفوعة] 

أما الاحاديث المرفوعة فلا تصح، وقد ضعفها العلامة الألباني -رحمه الله-.


[الآثار الموقوفة]

وقبل أن أحكم عليها أود أن أقدم بمقدمات ثمانية وقواعد مهمة، يتبين من خلالها تعليل هذه الآثار، ومن ثم أتطرق إلى إليها:


أولًا: كيف يُخفي الله ليلة القدر في شهرها المبارك المختص بها -رمضان- ثم يمكّن الناس من ثوابها في كل ليلة؟! وبأربع ركعات فقط؟!

والناس في رمضان يدوكون لياليهم في العشر الأواخر ليدركوا أجرها وثوابها، ثم يكون أجرها وثوابها في أربع ركعات بعد العشاء!

ثانيًا:  من طرق تعليل الأحاديث -كما ذكره ابن القيم-: أن يكون العمل يسيرًا والثواب عظيمًا!

ويزداد ذلك الإعلال خاصة في مثل مسألتنا، فإن أجرها عظيم، ولذلك لما أخفاها الله عز وجل اجتهد المسلمون في طلبها كل سنة عشرة أيام متتالية من العمل والاجتهاد، ثم اختُزِل ذلك كله في أربع ركعات يدرك بها أجر ليلة القدر!!

ثالثًا: تجنب المذاهب الفقهية وتنكبهم لذلك ، وإنما ذكره قلة من بعض فقهاء الحنفية، ومعلوم أن المذهب الحنفي من أقل المذاهب تمسكًا بالأحاديث والآثار ، فتفرده بمثل هذا القول دليل على خطأ هذا القول.

رابعًا: تجنب الأئمة -وخاصة من المحدثين- للعمل به أو ذكره = دليل على إعلاله عندهم، مع أن هذه الآثار مشهورة في الكتب كالمصنفات، فليس كل ما ذُكر فيها يعتبر صحيحًا ومعمولًا به.

خامسًا: عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- الغالب المشهور ؛ فإنه كان يصلي بعد العشاء ركعتين، كما ذكره عدة من الصحابة، وبعضها متفق عليه.

نعم.. جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- (مرة) صلى بعدها أربع ركعات -كما في البخاري-، وهذا لا يعكر على ما نحن فيه؛ لأن بحثنا إنما هو في (أجر ليلة القدر) لا في صلاتها.

وأيضًا.. فإن حديث ابن عباس اختلفت ألفاظه فمرة أنه صلى أربع ومرة صلى ركعتين ومرة لم يُذكر فيه شيئ من ذلك ، وقد ذكر الحافظ والطحاوي أن الحديث رواياته كثيرة ومختلفة!

 فمثل هذا لا تُصادَم به السنة المعمول بها المتفق عليها؛ بأنه كان يصلي بعدها ركعتين.

سادسًا: لو صحت هذه الآثار، وكان ثواب ليلة القدر موجود في أربع ركعات= لكان في ذلك تقليل من شأن ليلة القدر في نفوس الناس، وأصبح أجرها موجودًا في كل ليلة وبأقل الأعمال، وهذا مخالف لحكمة الله -عز وجل- من تعظيمه لها والرفع من شأنها وقدرها.

سابعًا: قد يقول قائل: الأربع ركعات إنما تعدل مثلهن من ليلة القدر، لا أنها تعدل ليلة القدر كاملة.

والجواب على هذا نقول : إن هذا هو المراد من مساواتها لليلة القدر، وإلا لو ساوت الأربع ركعات ليلة القدر كاملة لكانت أفضل من ليلة القدر، فإن استيعاب ليلة القدر كاملة قليل من يقوم به.

وأمر آخر: فإن من صلى كل ليلة أربع ركعات؛ فإنه ما يمر عليه أيام إلا وقد استوعبت الأربع ليلة كاملة، فتكون الأربع قد ساوت ليلة القدر، ثم يستأنف ليلة أخرى في أيام أخرى معدودة، وهكذا؛ فما أن تمر عليه ((سنة)) إلا وقد كُتِب له ليالي كثيرة، أجرُ الواحدة يعدل ليلة القدر، وبهذا فاقت الأربع ركعات ليلة القدر في سنة واحدة أضعافها!

ثامنا: ما جاء عن بعض السلف أنه كان يصلي أربعا بعد العشاء ، فليس هو مجال بحثنا ، فالبحث إنما هو في كونها تعدل مثلها من ليلة القدر ، فمن الخطأ أن تجد بعضهم لما ذكر هذه الآثار يقول: وممن عمل بها فلان وفلان.! فالعمل شيء واثبات فضيلتها شيء آخر.

أما دراسة الآثار:

أولًا: ما جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- معلول، وهو خطأ من بعض الرواة، وهو عبد الجبار؛ فإن عنده مناكير وأحاديث لا يتابع عليها، وهو وإن كان صدوقًا إلا أن الأثر منكر من ثلاث جهات:

١- الأثر فيه مخالفة للأحاديث، وهو جعل الأربع بلا تسليم، ومعلوم أن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الليل ركعتين ركعتين، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: (صلاة الليل مثنى مثنى).

٢- مخالفته لفعل ابن مسعود المشهور عنه، المروي بالأسانيد الصحيحة -كما في مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة- بأن تطوع ابن مسعود الذي لم يكن يدعه... ثم ذكروا: (ركعتين بعد العشاء)! وهذا يهدم الأثر السابق، وهذه طريقة أهل الحديث في تعليل الآثار.

٣- صح عن النخعي -كما في مصنف عبد الرزاق- أنه كان يقول: (كانوا يعدون من السنة أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وكانوا يستحبون أربعًا بعد العصر، ولم يكونوا يعدونها سنة)!

فهذ النخعي ومعلوم اختصاصه بابن مسعود وتلاميذه، فها هو ينقل السنن التي كانوا يعملونها، بل حتى أنه ذكر الأربع قبل العصر، وأعرض عن الأربع بعد العشاء! مما يُعلم بأنها لم تكن من عملهم، ولا يُعرف عندهم هذا الأجر عنها اصلًا.


ثانيًا: ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن ابيه عنها=
فهو معلول أيضًا؛ فان الرواة يوقفون الأثر على عبد الرحمن بن الأسود بأسانيد صحيحة، وفيه ما يدل على أن هذا الأثر لم يكن معروفًا عن أحد من الصحابة! ففي آخر هذا الأثر الموقوف على عبد الرحمن بن الأسود قيل له: (ممن سمعت هذا القول؟ فقال: إن كن كذلك، وإلا فهن صوالح)! فلو كان عنده شيء عن عائشة أو حتى عن أبيه (الأسود) لصاح به وذكره!


ثالثًا: ما جاء عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- يرويه حصين عن مجاهد عنه= وهو معلول أيضًا، فالمشهور المعروف أنه موقوف على مجاهد، هكذا رواه الاعمش وهلال، وحصين اختُلِف عليه؛ فمرة يجعله عن عبد الله بن عمرو، ومرة يوافق (الأعمش وهلالًا) فيجعله عن مجاهد.. وموافقة الناس هي الصواب قطعًا،  ولذلك المروزي لم يذكره عن عبد الله بن عمرو؛ وإنما ذكره عن مجاهد في كتابه (مختصر قيام الليل).


رابعًا: ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- هو ضعيف ومعلول، أما كونه ضعيفًا؛ فهو من رواية أبي حنيفة، وأما كونه معلولًا؛ فقد خالف أبا حنيفة الثقةُ مسعر فجعله موقوفًا على عبد الرحمن بن الاسود.


والله أعلم أن (سر) هذه الآثار ومنشأها: إنما هو عن كعب الأحبار ، ومن ثَمَّ تلقف الناس عنه ذلك ((كما هي العادة في آثار كعب)) ، تقبل عليها الناس ويقع الخطأ في نسبتها من الرواة، فمرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومرة إلى أبي هريرة رضي الله عنه ومرة إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وهكذا ، وهذا الأثر كذلك فإنه صابه ما أصاب غيره ، فهو عن كعب مشهور من قوله، نقله النسائي في سننه والدارقطني وأصحاب المصنفات وغيرهم، وهو به ألصق وأحرى.

وهذا -والله أعلم- الذي جعل عبد الرحمن بن الأسود لما قيل له: (ممن سمعته؟ لم يُجب، وقال: إن كن كذلك؛ وإلا فهن صوالح)! لأنهم كانوا يذمون الأخذ عن كعب، وإن كان ثقة؛ إلا أنه كما قال معاوية عنه: (قد بلونا عليه الكذب)، أي: أخطاء وإسرائيليات ينقلها مخالفة للحقيقة.

وكثيرًا ما ينقل التابعون أقوال كعب دون أن ينسبوها له، فما جاء عن مجاهد أو ابن الأسود فأصل ذلك إنما هو عن كعب الأحبار.


والله أعلى وأعلم.



كتبه:
د. حسن بن صنيدح العجمي.