قال القرطبي : \"روي عن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه أنه قال : حق على الإمام أن يحكم بالعدل، ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه، لأن الله تعالى أمره بأداء الأمانة والعدل، ثم أمرنا بطاعته
◾️[قد أشكل هذا على بعضهم ، وربما استدل به بعض الخوارج على عدم السمع والطاعة للحاكم بسبب ظلمه وجوره]
مقدمة: [قد ورد هذا الأثر برواية وهي الرواية المشهورة في الكتب "حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله عز وجل، وأن يؤدي الأمانة....."
وقفات مع هذا الأثر:
الوقفة الأولى: ان هذا الأثر من رواية مصعب بن سعد وقد قال أبو زرعه أنه لم يسمع من علي ، فهو منقطع ، وقد قال بعض العلماء أنه سمع منه فعلى أقل الأحوال لا يعتمد عليه كما يعتمد على الآثار الصحيحة النقية.
الوقفة الثانية: أنه قد ورد عن علي ما يخالف ذلك:
١-ورد عنه ما يبين أن الناس لابد لهم من حاكم يعيشون في ظل حكمه سواء كان عدلا أم ظالما
قال ابن أبي شيب حدثنا عفان، قال حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال سمعت عاصم بن ضمرة، قال: إن خارجة خرجت على حكم , فقالوا: لا حكم إلا لله , فقال علي: إنه لا حكم إلا لله , ولكنهم يقولون: لا إمرة , ولا بد للناس من أمير بر أو فاجر , يعمل في إمارته المؤمن ويستمتع فيها الكافر , ويبلغ الله فيه الأجل "
وهذا إسناد جيد وعاصم بن ضمرة من تلاميذ علي وهو حسن الحديث ، وهذا يدل على ضعف الأثر السابق عن علي
٢-ورد عن علي ما يبين أن الحاكم الجائر له حق ويجب اعطاءه حقه
قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، قال ثنا مسعر، عن عثمان الثقفي، عن أبي صادق الأزدي، عن ربيعة بن ناجد، عن علي، قال: إن قريشا هم أئمة العرب , أبرارها أئمة أبرارها , وفجارها أئمة فجارها ولكل حق فأعطوا كل ذي حق حقه ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه , فإذا خير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه فليمد عنقه , ثكلته أمه فإنه لا دنيا له ولا آخرة بعد إسلامه "
وهذا اسناد حسن وهو مطابق تماما لما قبله وكل منهما عاضد للآخر ويزيده قوة
الوقفة الثالثة: ما ورد من نصوص صريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم :
١- ما جاء في الصحيحين من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة مع قوله "ستجدون أثرة وأمور تنكرونها " وهذا نص في أن الحاكم وإن ظلم أو لم يؤدي الأمانة وهي المقصودة بقوله"وأثرة" يجب له السمع والطاعة
٢-قال رجل للنبي كما في صحيح مسلم:"أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟
فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية، أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم."
الوقفة الرابعة: ما جاء عن الصحابة:
١-عمر بن الخطاب.
جاء في مصنف ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، قال ثنا سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر: يا أبا أمية , إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا , فاسمع وأطع وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع , إن ضربك فاصبر , وإن حرمك فاصبر , وإن أراد أمرا ينتقص دينك فقل: سمع وطاعة , ودمي دون ديني , فلا تفارق الجماعة ". وفي رواية"وإن ظلمك"
وهذا نص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في أن الحاكم وإن ظلم وهذا في قوله"ضربك" أو لم يؤدي الأمانة وهذا في قوله "وإن حرمك" تجب طاعته في غير معصية ،
وآخر الأثر أقوى في الدلالة أيضا وهو قوله"وإن أراد أمرا ينتقص دينك فقل: سمع وطاعة , ودمي دون ديني , فلا تفارق الجماعة ".
فالعجيب كيف أتى بكلمة السمع والطاعة بعد أمر الحاكم بالمعصية ؟!
ليؤكد أهمية السمع والطاعة وأن المفروض أن لا تغيب عن حياتنا وتعاملنا مع الحاكم ومعناه: أن الحاكم لو أمرك بمعصية الله وحملك عليها فقل سمعا وطاعة (أي أن أمرك بهذه المنكرات والمعاصي لا يجعلني أترك السمع والطاعة لك كما قد يظنه بعض الناس ويعتقدونه ، ولكن لا أفعل ما أمرتني به)
٢-ابن عمر.
قال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن المنكدر قال: بلغ ابن عمر أن يزيد بن معاوية بويع له فقال: «إن كان خيرا رضينا , وإن كان شرا صبرنا»
٣-ماور في صحيح مسلم لما قيل لعبد الله بن عمرو عن بعض الامراء بانهم يامروننا بان ناكل اموالنا بالباطل ويامروننا بقتل انفسنا قال: "أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله".
وهذا تقرير من عبد الله بن عمرو في أن الرعية وإن رأت أن حاكمها يأمرهم بالباطل وبقتل أنفسهم فيجب عليهم السمع والطاعة إلا في معصية الله
٤-ما ورد عن عباده بن الصامت:
روى معمر في جامعه: معمر، عن منصور، عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية: أن عبادة بن الصامت، قال له: «ادن حتى أخبرك بما لك وما عليك، إن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومكرهك ومنشطك، والأثرة عليك، وألا تنازع الأمر أهله، إلا أن تؤمر بمعصية الله براحا، فإن أمرت بخلاف ما في كتاب الله فاتبع كتاب الله»
٥-ما ورد عن عقبة بن عامر.
ورد في مصنف ابن ابي شيبة:
حدثنا حسين بن علي عن زائدة، عن هشام، عن محمد بن سيرين، عن عقبة بن عمرو، قال: " كنت رجلا عزيز النفس، حمي الأنف، لا يستقل أحد مني شيئا , سلطان ولا غيره , قال: فأصبحت أمرائي يخيرونني بين أن أصبر لهم على قبح وجهي ورغم أنفي وبين أن آخذ سيفي فأضرب به فأدخل النار , فاخترت أن أصبر على قبح وجهي ورغم أنفي , ولا آخذ سيفي فأضرب فأدخل النار "
وهذا واضح الدلالة..
٦-ما ورد عن علي وقد مضى سابقا
وغيرها كثير فهذه آثار مشهوره صحيحه تدل على اتحاد فهم الصحابة في هذه المسألة وأنها من الأمور المتقررة عندهم بلا خلاف
ولو قُدر وجود أثر يخالف ذلك فلا ينبغي ترك المشهور عنهم والذي تؤيده الأدلة والنصوص ، ويتعلق بذلك الأثر المخالف ، فإن هذا علامة على عدم التأصيل العلمي
الوقفة السادسة: أن السلف مجمعون على وجوب السمع والطاعة للحاكم الظالم ، وقد نقل الإجماع غير واحد:
قال حرب الكرماني في عقيدته المشهورة التي نقل
عليها الاتفاق يقول:
" هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من قولهم ...والانقياد لمن ولاه الله أمرك لا تنزع يدك من طاعة، ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا وأن لا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع لا تنكث بيعه فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخارق مفارق للجماعة وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية فليس لك إن تطيعه البتة، وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه."
مع أمر الحاكم بمعصية الله يقول الإمام حرب الكرماني :"ولا تمنعه حقه" وحقه هو السمع والطاعة في غير معصية
الوقفة السادسة: أن عليا رضي الله إنما تطرق لحال الحاكم العدل فبين أن على الرعية أن تسمع له وتطيع ولم يتعرض لحال الحاكم الجائر ، فقد سكت رضي الله عنه عن حال الحاكم الجائر ، فلا يجوز أن يُنسب له قول لم يقله ، بل سكت عنه ، وكما هو معلوم أنه لا ينسب إلى ساكت قول كما قال ذلك الشافعي
الوقفة السابعة: دلالة الأثر أصوليا:
١-أثر علي مفهوم ، وكل النصوص التي ذكرناها والآثار سواء ما كان عن علي أو غيره من الصحابة منطوقة ، وقد تقرر في علم الأصول أن المنطوق مقدم على المفهوم
٢-ذكر ابن القيم أن من منهج أحمد أنه إذا حصل تعارض بين ما هو مشهور من الآثار وبين ما كان فردا ترك العمل بالأثر الفرد ، وعمل بما كان مشهورا
٣-ما ورد عن الصحابه مما قد يظن فيه المخالفة فالأصل أن يحمل كلامه على ما يوافق النصوص وما يوافق أيضا غيره من الصحابه ، وهذا هو عمل الراسخين في العلم، ولا تضرب أقوال بعضهم ببعض فإن هذا سبيل المبتدعة
٤-أن هذا المقصود منه الأمر المعين
هذا وصلى الله على وسلم على نبيه وعلى اله وصحبه